قصه الطريق الى بئر السبع للكاتبة الإنجليزية ايثل مانن - هنا الترابين

عاجل

مدونة تهتم بتراث وعادات وتقاليد قبيلة الترابين

الجمعة، 14 أكتوبر 2016

قصه الطريق الى بئر السبع للكاتبة الإنجليزية ايثل مانن


هذه القصة جديرة بأن يقرأها كل عربي , لا لتثير أحزانه الى فلسطين واهلها , إن نفوس العرب قد امتلأت بأحداث فلسطين , بمثل ما تمتلىء به مياه البحار , مرارة وملحاً , ولكنها جديرة بأن تقرأ , لأنها ليست من هذا القصص الحزين , الذي يملأ النفوس حزناً , فيثبط عزيمتها ويذلها أو يميتها على نحو ما يقرأ القاريء العربي في عبرات المنفلوطي , مثلاً أو في الآم فرتر ولكنها من هذا القصص الذي يكون فيه الحزن وقوداً لأيقاظ النفوس من غفلتها وشحذ الهمم وحثها على العمل المقاوم والمتواصل بالتضحية , ومن هنا كانت جديرة عندي بأن يقرأها كل عربي وأنا لهذا السبب أتحدث عنها الآن , والقصة طويلة تكتبها الكاتبة الإنجليزية " ايثل مانن Ethel Mannin " وتتحدث بها عن عدوان اليهود الشرس على العرب في فلسطين , ومساندة الإنجليز خاصة ودول هيئة الأمم عامة , لهذا العدوان , والكاتبة لندنية , من أصل اسكتلندي , يعرفها الغرب كاتبة شهيرة في السياسة والأخلاق , وقاصة شهيرة , بدأت كتاباتها تشيع منذ عام 1922م , وكان عمرها آنذاك اثنين وعشرين سنة , ومنذ ذلك الحين وهي توالي كتاباتها فتخرج قصة كل عام وقد طوفت في الدنيا برحلات كثيرة وزارت كثيراً من البلدان وأطلعت على أحوال الأمم , فأكسبتها هذه الرحلات خيرة واطلاعاً , وجعلت تحس بما يحسه أهل هذه البلدان , ولا سيما الشرقية منها , فكتبت عن الهند واليابان ..الخ وطوفت في فلسطين وكتبت قصتها الطويلة هذه وقد ترجمت هذه القصة الى الفرنسية والالمانية والهولندية والاسبانية والايطالية والى اللغات الاسكندنافية وقد ترجمت قصتها هذه الى العربية . ومع ان ملامح الناس ’ لا تكون دائماً صادقة الدلالة عليهم , مع هذا فالصور في كثير من الأحيان تعبر التعبير الصادق عن اهلها , وان صورة الكاتبة لتطلع عليك بطلعة قديسة , تفيض بالاحساس والعطف والرحمة وتقرأ ما سطرته في قصتها هذه باحساسها بأدق العواطف فتتمثل لك الطلعة الخيرة , تحب الخير , ايا كان , وتكره الشرير , ايا كان ولو كان من جنسها وبني قومها , وتشعر بالكاتبة تهيوءك لجو القصة على نحو ما يفعل اهل الموسيقلى التصويرية حين يقدمون موسيقاهم على الاحداث بموسيقى تطيف صور الجريمة وصور الرعب في النفوس وتراها تفعل هذا في السطرين اللذين وضعتهما في مقدمة القصة , تهديها " الى اللاجئين الفلسطينيين " الذين قالوا لي ... لم لا تكتبين قصتنا , قصة الخروج Exodus الثاني خروجنا نحن ..!! لقد استعملت كلمة Exodus التي ترجمت في كتاب العهد القديم " بكلمة " " الخروج " ولا ارى المعنى العجمي الان يوفي هذه اللفظة حقها , ان سفر الخروج هو ثاني اسفار العهد القديم وقد افاض في الحديث عن خروج بني اسرائيل من مصر فإن معنى اللفظة الايحائي يوحي بالعذاب والظلم , الذي يفضل معهما المواطن بأن يهجر بيته ووطنه ويرتحل , وقد اعطيت لهذا المعنى صورة كبيرة عند العرب في اسلامهم . قال تعالى : ( ولو انا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم , أو اخرحوا من دياركم ما فعلوه الا قليل منهم ( سورة النساء ) فقد قرن سبحانه وتعالى صورة الخروج عن الديار بصورة القتل وساوى بين الصورتين , بل جعل الصورة الثانية أقسى وأعنف , وأشق على الانسان . أقول : بهذا الجو قدمت القاصة مقدمتها , وزادت عليها ان نقلت عبارة " العهد القديم " واعطيتكم ارضاً لم تتعبوا عليها , ومدناً لم تبنوها , وتسكنون بها , ومن كروم وزيتون لم تغرسوها تأكلون !! فأوحت بعبارتها هذه بتلك المدن التي سلبوها من العرب الفلسطينيين , وتلك البيوت التي اخرجوهم منها .. وليس عليهم الا ما يستر بعض اجسامهم من ثياب , وأخذوا مزارعهم , كرومهم وزيتونهم , وسائر شجرهم الذي نشأوه , ورعوه , وربوا معه , وصاروا يحسون انه جزء من اجسامهم وارواحهم , وان الحسرة لتأخذ القاريء حين يستمع الى " منير " أحد اشخاص القصة وهو يقف بحيث يرى مزرعته , ويقول : تلك زيتوناتي , وتحتها حديقة خضري ايدري من يشتري ثمارها الان انه يشتري سلعاً مغصوبة مسروقة !! وحين تقرأ القصة فتحس ان نفسك تتعلق بها ساعة تبدأ بالقراءة وتراها تهز قارئها هزاً عنيفاً , توقظ بها احاسيسه ومشاعره , ان من القصص ما يقروءها قاروؤها فيحس ان نفسه تنساب معها انسياب انفس الاطفال مع اللحن تهدهدهم به امهاتهم , فيغمضون عيونهم ويرقدون .. ومنها ما ترى بالكاتب يأخذك فيها بحديثه , حتى اذا احس انك كدت ان ترقد هزك اتاك بهزة عنيفة اعادك بها الى يقظتك ثم ما لبث ان يوالى قصصه ويعود الى تنبيه قارئه بين الفينة والفينة من هذه القصص قصة الحرب والسلام للكاتب الروسي تولستوي . ومن القصص ما تتعلق به نفسك ساعة تقع عينك على الاحرف الاولى او الاسطر الاولى منها , وتأخذ في فراءتها فتحس القاص يهز عواطفك هزاً عنيفاً , يحفظ به عليك انتباهك ويقظتك , بل قد تراه يوالي وخزك بمثل الابر ويوالي لذعك بمثل الجمر وهذه هي قصة الطريق الى " بئر السبع " ان الذي كتبته الكاتبة يفيض بالعواطف الانسانية التي يحزن بها كل الناس حتى يخيل الى لو ان يهودياً قرأها , وقدر ان رزق شيئاً من الانسانية في احاسيسه , لما استطاع الا أن يغتم ويحزن , في السلب والنهب والغصب والقتل بأبشع صوره .. ثم لا يكون لهذا كله مبرر , ولا موجب ولا دافع , ان عناصر القوة في القصة تاتيك من حديث الكاتبة عن الظلم بأبشع صوره والوحشية بأرهب صورها , صور اغتصاب الاموال وهتك الاعراض وصور قتل الارواح بغير ما تعفف عن شيء او رحمة لشيء ويزيد الصورة رهبة ان اليهود هم الذين يفعلون هذا كله بمساعدة الانجليز ولقد بينت ان الانجليز خاصة , يعرفون اليهود لاجئين مطرودين من اوروبا , وحين بين لهم " انطون " بطل القصة انه لاجيء لم يتصوروه الا يهودياً , لأن اليهود وحدهم هم اللاجئون عندهم , وقد عجبوا ان يكون لاجئاً , وهو مسيحي عربي فلسطيني , أقول : يزيد شعور القاريء نقمة , على ما يقروءه في القصة ان اليهود هم الذين يرتكبون هذه الفظائع , على حين يجب ان يكونوا ابعد الناس عنها , لانهم وحدهم ذاقوا طعم المذلة والقتل والطرد في اوروبا ثم يكونون هم انفسهم الذين يمثلون هذه الدوار الكريهة التي خبروها وذاقوا طعمها . ويزيد الصورة بشاعة ان العرب كانوا يعاملونهم في فلسطين وفي غيرها من بلدانهم معاملة المواطنين , فمدرسة العميان التي تحدثت عنها الكاتبة في يافا لا تفرق بين عميان المسلمين وعميان اليهود وعميان النصارى ان الكل عندها سواسية , يوزنون بميزان واحد , ويأخذك الهم حين ترى ان الاعتداء يقع على النفوس الصافية النبيلة , تحسن فيرد اليها احسانها اساءة , يطلب الماء جنديان يهوديان من البيت , ويستجيب اهل البيت لطلبهما , فيكون الجزاء اعتداء صارخ على العرض , وينتصر اليهود , ويتم استيلاؤهم على المدينة مدينة اللد فيجمعون اهلها في جامع المدينة , ثم يقتلونهم في الجامع , بعد ان ينجسوا الجامع بقذارتهم , هكذا في شرعهم يكون القتل في مكان العبادة المقدس , ثم يكون قتلاً جماعياً وبغير حالة حرب , وتتعلق نفسك بالقصة حين ترى الكاتبة تقول الحق , في كل ما تسطره اليك , هي انجليزية ومع هذا تقول عن الانجليز انهم نقضوا عهودهم مع العرب في الحرب العالمية الاولى , وانهم هم الذين سلموا فلسطين الى اليهود في الحرب العالمية الثانية وان قصتهم مع العرب هي قصة الخيانة والغدر , ثم هي تجعل قصة الفتى الذي يسلك طريق " بئر السبع " عاد من انجلترا ليتسلل الى طريق " بئر السبع " وانه كان يعيش مع امه الانجليزية وجده الانجليزي وجدته الانجليزية وانه مع هذا كله لم لم يرض بفعل الانجليز وهو يشعر ان طريقه تحفه المخاطر والمهالك ولكنه مع هذا احس ان واجباً يدفعه الى المغامرة والموت , انه واجب الوطنية بل واجب الانسانية الذي تعاون الانجليز واليهود على اهداره , والقصة كتبت عن العرب باللغة الانجليزية وقد اجادت الكاتبة حين جعلت القصة , نصفها تقع احداثه في فلسطين ليقرأه العرب ويحسوا بما في القصة والنصف الآخر تقع احداثه في انجلترا ليقرأه الانجليز ويشاركوا الكاتبة احساسها فيه , وأجادت حين جعلت اشخاصها مشتركة بين العرب والانجليز واوضحت صور التعاون بين المسيحيين والمسلمين بأبهى ما تكون الصور وابهى ما يكون التعاون , وان السيد " خليل " وهو مسلم يتزوج " منى " وهي مسيحية وان " بطرس منصور " وهو احد ابطال القصة يوصي بأن يعهد الى السيد خليل وهو مسلم برعاية املاكه بعد وفاته ولا يعهد بهذا الى اخيه " فريد " وهو مسيحي ويكون خليل وهو مسلم اول المسرعين لاستقبال " انطون " وهو مسيحي ويكون " وليد " وهو صديق " انطون " الذي حبب اليه التسلل الى طريق بئر السبع مسلماً ويظل على صداقته مع انطون وهو مسيحي , ان الحديث عن قصة " بئر السبع " حديث طويل , انه حديث العرب الطويل في استرداد وطنهم الذي اغتصبه اليهود جملة , وطردوهم منه جملة , وان الحديث عنه يغري بعضه بعضاً , كما تغري بالدموع الدموع .. ( اسماعيل بن عياد )



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق