المغالطات التاريخية في نسب قبيلة الترابين ومسطرة التصحيح - هنا الترابين

عاجل

مدونة تهتم بتراث وعادات وتقاليد قبيلة الترابين

الاثنين، 6 مايو 2019

المغالطات التاريخية في نسب قبيلة الترابين ومسطرة التصحيح


                 المغالطات التاريخية في نسب قبيلة الترابين ومسطرة التصحيح

                   بقلم: الباحث إسماعيل سليمان مسلم بن عياد الترباني
                   مشرف مجلس قبيلة الترابين بموقع النسابون العرب
                   المملكة الأردنية الهاشمية – العقبة 


بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين, منه العون وعليه التكلان, والصلاة والسلام على أفصح الناس منطقاً, وأشرفهم لساناً, وأثبتهم جناناً, سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه, أئمة القول, وأساطين البيان, ومن تبعهم بإحسان, أما بعد.
وسنتناول إن شاء الله في هذا البحث قولين في الأخطاء التي وردت عن نسب قبيلة الترابين في الكتب الحديثة نجدها في الكثير منها -على الرغم مما بذله مؤلفوها من جهد- وهي تحمل أخطاء تنتقل من كتاب إلى كتاب فكثير من النسابة والمؤلفين يقعون في أخطاء من سبقهم من العلماء, لشهرة قائله أو لعدم الإطلاع على ما يعارضه من وقائع مما يؤدي إلى حصول اللبس والخلط في أنساب كثير من القبائل العربية.
تذكرة لإخواني المحققين:
إن من المعلوم في بداهة العقول أنّ علم تحقيق النصوص إنما يهدف إلى تقديم نص صحيح مطابق لما كتبه مؤلفه ما استطاع إلى ذلك سبيلا. أما إذا تحقق وصول النسخة التي كتبها المؤلف بخطه, وثبت للمحقق أنها آخر ما ارتضاه لكتابه, فلا فائدة لأي نسخة أخرى منتسخة عنها أو من غيرها, لأنها على كل حال ستُرد في صحتها وخطئها إلى نسخة المؤلف التي كتبها بخطه. وحين يتحقق للمُحقق المدقق ثبوت نصّ لمؤلف ما سواءٌ أكان ذلك بوصول نسخة المؤلف التي بخطه, أم اجتماع النُسخ المعتمدة على قراءة واحدة أو أي وسيلة أخرى, فإن واجب المحقق يحتم عليه إثبات ذلك النص وإن كان غلطاً, أو تصويبه والإشارة إليه في الهامش, وإن كان الأول هو الأولى. مع إقرارنا جميعاً بأن الخطأ من الأمور الجبلّية في الإنسان, إذ لا أحد معصوم منه سوى الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم. بل مما يُنتقد عليه المحقق المجوّد المنبّه على خطأ المؤلف وهو بلا شك أمر وبيل مرتعه, فظيع نتائجه, عاقبته تقويل أناس ما لم يقولوه. وقد رأيت من المفيد تنبيه إخواني المحققين الملتزمين بالمنهج العلمي القويم إلى هذه المسألة والحذر منها, مشيراً إلى أنّ التنبيه على أخطاء العلماء ليس فيه أدنى إساءة إليهم, فكل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صل الله عليه وسلم كما قال الإمام مالك بن أنس يرحمه الله, وفي ذلك إصلاح فاسد, وإقامة مائد يُحمد عليه الإنسان إن كان أراد بذلك وجه الله جل في علاه, وابتعد فيه عن التجريح, والتقبيح, والتقريع والتسكت. (1)  
* نقض دعوى انتساب الترابين لبني عطية الكريمة :
يستند المؤيدون لرد أصول الترابين لبني عطية إلى كتاب الدرر الفرائد المنظمة للجزيري, فهو عماد حجتهم, ولاهميته في هذه القضية, فدعونا نتناول ما أورده من نصوص تناولا علميا مرورا بالتحقق من صحة النص بمطابقة الكتاب الحديث المحقق بالنص الأصلي الذي خطه الجزيري رحمه الله بيده سنة 977 هــ.
أولا: تدليس محقق مخطوط الجزيري وزياداته على النص الأصلي:
إن علم التحقيق علم مستقل بذاته كفن, ومرتبط بأغلب العلوم الأخرى, ولكنه بعلم الأنساب أربط وأوثق ؛ إذ مالكه يميز الحقيق من اللصيق والدخيل من النبيل ، وحتى تكون الصورة مقربة إلى ذهن القارئ أمثل بمثال بسيط. إذا أردنا أن نحقق ما ورد في كتاب "الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة" لعبد القادر الجزيري تحقيق محمد حسن محمد حسن اسماعيل عن نسب قبيلة الترابين,  فيجب علينا أن يكون لدينا اطلاع على ما جاء في المجلدين من أقوال لنكون منصفين حين ننهل اي معلومة فنرجح فيها إلى الأسلم وليس اخذ النص على عواهنه, وترك ما يعارضه من نصوص. 
فقمنا بتدقيق ما ورد في المخطوط الأصلي الذي كتب بخط عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الجزيري " ت 977 هــ,  وما ذكره عن الترابين وغيرهم من القبائل العربية المتواجدة على طريق الحاج, ومطابقته بما جاء في الطبعات المنشورة  تحقيق محمد حسن محمد حسن اسماعيل, ومقارنته بالمخطوط المنسوخ في القرن الحادي عشر والمحفوظ في مكتبات ومراكز المخطوطات في الجامعات العربية والأجنبية, وعددها ما يقارب أربعة نسخ مصورة ميكروفيلم عن أصل المخطوط الأصلي, جميعها في حوزتنا الآن وحين المقارنة والتدقيق وجد اختلاف كبير, وتشويه للحقائق ما بين المخطوط الأصلي وما بين التحقيق المنسوخ والمتداول على مواقع الانترنت بصيغة bdf. 
فقد ذكر المحقق محمد حسن في الباب الخامس حين ذكر المنازل والمناهل  ما نصه: 
" وينقسم درك النقب المذكور على أربعة أقسام لأربع بدّنّات من بني عطيّة فيكون أرباعاً: الربع الأول: لمشايخ الوحيدات, يقبض ذلك الشيخ عمر بن شاهين بن حسين وعبد الله أخوه ومن تبعه, وعمر المذكور في زماننا عين هذه الطائفة, وهو الذي يقبض جميع المبلغ من العائد بيده, ويفرقه لأربابه, وتارة لا يرضى بقية الشركاء بقسمته من يده لأنه يتنفّل عليهم بقسم خامس له من المئتي دينار, فيكون له خمسان وللباقين ثلاثة أخماس, وحضرته في عام من الأعوام قسمها على هذا الشرح, فلم يعجب بقية أهل الدرك ذلك, ولم يذّعنوا له فيها. ومن الوحيدات حسن بن ندال وأولاده, وأولاد الفقير عيد وعميرة ومن معهم, وجماعات كثيرة, وحصة هذه الطائفة على طريق الاعتدال الربع, فيكون خمسين ديناراً, وعلى ما ادّعاه عمر بن شاهين خمسان من المئتي دينار, وقد قدمنا ذكر ذلك قريباً. والقسم الثاني: لطائفة المساعيد من بني عطيّة, ومن أكابرهم عتيق بن مسعود بن دغيم, وعليان بن مشور, وعمران بن حويران من الحوارنة. والقسم الثالث: لطائفة الرّتيمات من بني عطيّة, منهم محمود بن رافع وغنام ورفقتهم.  والقسم الرابع: لطائفة الترابين من بني عطيّة أيضا, منهم سلمان العديسي, ومحمد بن عجرمة الأسود وأولاده, وونيس ورفقتهم, لا يتميز قسم عن قسم في المبلغ إلا ما ادّعاه عمر بن شاهين استطالة عليهم أ. هـ." (2)
وقد جاء في المخطوط الأصلي ما يناقض ما أورده المحقق محمد حسن في نسخ مراكز المخطوطات المحفوظ  في خزانة المخطوطات العربية والأجنبية ما نصه: 
" ينقسم الدّرك على أربعة أقسام: الربع الأول: منهم عربان الوحيدات من شيوخهم عمر بن شاهين بن حسين بن بجيعة بن هرماس بن مسعود, وفي زماننا عين هذه الطائفة وقبض جميع ما يحضره أمير العايد من مبلغ الدرك ويفرقه على اربابه ومن الوحيدات حسن بن بذال وأولاد الفقير عيد وعميرة وجماعات كثيرة وحصة هذا الربع من مجموع المبلغ من الفضة خمسماية نصف والربع الثاني: لعربان المساعيد من شيوخهم عتيق بن مسعود بن دغيم وعليان بن مشور وعمران بن عميران من الحوارنة. والقسم الثالث: لعربان الرتيمات منهم محمود بن رابغ وغنام ورفقتهم. والقسم الرابع: لعربان الترابين منهم سلمان العديسي ومحمد بن عجرمة الأسود وونيس ورفقتهم. وحصة كل طايفة خمسماية نصف".(3) ؟.  
قلت: أنّ علم تحقيق المخطوطات والنصوص إنما يهدف إلى تقديم نص صحيح مطابق لما كتبه مؤلفه. ولا يجوز بأي حال من الأحوال تشويه محتوى المخطوط الذي نسخه المؤلف بخط يده فحين المقارنة بين الأصل وما ورد في النسخة المفرغة من المخطوط من قبل المحقق الذي قام بتحقيق المخطوط وعدم ذكر الاضافات التي قام بها في الهوامش والإشارة للمصدر الذي نهل منه فهذا في عرف المحققين تدليس جلل.  
إن ما قام به محمد حسن من تشويه للحقائق حين أتى على ذكرعربان الأدراك وتشويه أنسابها. وما تبعه كثيرون ممن تلقفو تلك الأخطاء, ممن لا يفرقون بين البيض والحيض, ففي هذه الحالة لا فائدة ترجى من التحقيق المشوه الذي لم يراعي الأهداف المرجوة من التحقيق, بعد أنّ ثبت أنّ جميع نسخ المؤلف صاحب المخطوط المحفوظة بعدة مراكز للمخطوطات في جامعات مرموقة عربية وأوروبية وجميع تلك النسخ المنسوخة عن الأصل  تقرأ على قراءة واحدة. أن علمي التاريخ والأنساب كان ولا يزال استمدادهما من النقل, ولا مجال للرأي فيهما إلا بالفهم والاستنباط. 
ثانيا: وضوح نص الجزيري في اختلاف أصول عربان الأدراك:
وحجة أخرى تبطل في وجهة نظرنا انتساب الترابين لقبيلة بني عطية, والجزيري في مخطوطه الأصلي قد بيّن وبصريح العبارة في أنساب القبائل التي جاء على ذكرها في الأدراك  بقوله: " عادة أمير الركب الحجازي أن يكون لخيامه من الأبهة والحرمة, لأنه سائر بالوفد مار على عربان مختلفة الأجناس كالعقبي, والبلوي, والعطوي, والحويطي وغيرهم." (4) فهذا النص واضح  لكل ذي لب وضوح الشمس في رابعة النهار, وهو ما غفل عنه المحقق محمد حسن وأضافه في تحقيقه.
أنظر رعاك الله في قول الجزيري الدسم ومقصده في عبارة العربان "مختلفوا الأجناس" فهي لغةً بمعنى إنهم من أصول مختلفة, وهذا ينسحب على كل القبائل التي أتى على ذكرها الجزيري بكلمة وغيرهم في كتابه فهي شاملة لكل القبائل الأخرى التي لم يرد ذكرها في النص أعلاه.
وقد أوضح المستشرق الألماني ماكس فون أوبنهايم (Max von Oppenheim) في كتابه البدو: "هناك مصدر من القرن السادس عشر" بقوله: " هناك تقرير من عام 955هـ / 1548م  يذكر معلومات هامة عن تركيب بني عطية. حسب هذا التقرير كان ينتمي لمجمعهم آنذاك: الترابين, والوحيدات, والحويطات, والأحيوات. ولكن لا يجوز أن نستنتج من ذلك أن هذه القبائل تنتمي من ناحية النسب إلى بني عطية, ذلك أن حكايات الترابين عن نسبهم تثبت العكس, كما أن حكايات الوحيدات, والحويطات تشير إلى أن زعمائهم على الأقل هم من أصل غريب, وهذا الوضع هو الذي جعلهم ينفصلون في وقت مبكر عن بني عطية ويشكلون مجمعات مستقلة". (5) 
قلت: يستفاد من نص اوبنهايم الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار أنّ الترابين لا علاقة نسب تربطهم بقبيلة بني عطية الكريمة بتاتاً. ونقول: لمن يعتمدون تحقيق محمد حسن للدرر الفرائد  كما قال الإمام الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز: "إذا تعاطى الشيء غير أهله وتولى الأمر غير البصير به, أعضل الداء واشتد البلاء.". فخلط الحق بالباطل هدف المبطلين وخلط الحق بالباطل هدف لدعاة الباطل. قال الحافظ الذهبي رحمه الله: " المدلس ما رواه الرجل عن آخر ولم يسمعه منه, أو لم يدركه, وكتمان عيب في شيء ما حتى لا يعلمه المستفيد من هذا الشيء." 
ولعمرك إنه لحسن جداً أن يدقق الباحث والمؤرخ في كل معلومة يطلع عليها أو يسمعها, وألا يقبلها مهما بلغت شهرة قائلها إلا بعد تمحيص وغربلة تطمئن به نفسه, وتحقيق يصل به إلى بر اليقين, ومن السيئ جداً أنّ يأتي باحث ويتلقف أي معلومة يجدها دون تحقيق فربما يجمع في حبله من رديء وجيد ويصبح حاطب ليل.
قال ابن سعد في الطبقات الكبرى: أخبرنا مطرف بن عبد الله قال رجل للإمام مالك رحمه الله : قد سمعت مائة ألف حديث, فقال مالك: مائة ألف حديث ! أنت حاطب ليل تجمع القشعة فقال: ما القشعة ؟ قال: الحطب يجمعه الإنسان بالليل فربما أخذ معه أفعى فتنهشه. 
وهذا الحال ينطبق على بعض من المؤلفين الذين دأبوا على الإكثار من الإشارات لمؤرخين أشاروا لنص الجزيري في نسب الترابين الذي قمنا برده ونسفه, وبطلانه كقولهم قال الشيخ حمد الجاسر, وقال فلان, وعلان, وبيان زيد وعبيد وجميعهم نهلوا من معين واحد ألا وهو كتاب " الدرر الفرائد " للمحقق محمد حسن محمد حسن اسماعيل  وجميع تلك الأقول مردودة بعد أنّ تبين عدم صحتها. 
* نقض دعوى انتساب قبيلة الترابين لقبيلة البقوم الكريمة : 
كلنا يعلم أن النسب لأي قبيلة يبنى على الدليل القطعي الثابت من مصادره الموثقة, كمخطوط قديم أو مرجع تاريخي قديم لا على الظن, وبعكس ذلك سيكون الإدعاء عرضة للنقد ورده بالأدلة والبراهين. ولفت انتباهي بعض الإدعاءات المحمومة من قبل بعض غير الملمين بعلم الأنساب, وقد أطلق قديماً عليهم ابن سعد في الطبقات الكبرى حاطب ليل الذي يجمع الغث والسمين. وكما جاء في العين "3/174" تقال للمخلط في كلامه وأمره حاطب ليل لا يبصر ما يجمع في حبله من رديء وجيد. 
فالترابين لا يلتصقون بنسب غير نسبهم الذي توارثوه وقد سطروه في بيانهم الذي وقع عليه أكثر من 65 شيخاً وعيناً ومختاراً يمثلون أكثر من 20 عشيرة نفوا فيه انتساب الترابين إلى قبيلتي  البقوم أو بني عطية الكريمتين . التي بدورهما تنفيان انتسابنا لهما.؟ وهذا الادعاء لا ولن يستقيم أمام النقد,  ولا يثبت تجاه التحقيق العلمي الصارم, خاصة إذا ما طبقنا المقولة الذهبية للإمام سفيان الثوري رحمه الله المتوفى بالبصرة سنة 161 هـ التي تنص على: " لما أستعمل الرواة الكذب ، استعملنا لهم التأريخ ". ولله در القائل: 
فإذا لم يكن للمرء عين صحيحة * فلا غرو أن يرتاب والصبـــــح مسفر
ومن يتبع لهواه أعمى بصيرة * ومن كان أعمى في الدُّجى كيف يبصر؟‍
- شبهة تربة :
ظنّ البعض أنّ الترابين من البقوم, فأشتبه عليه منازل  "عطية جدّ الترابين" في تُربة قديماً, ووجود البقوم كسكان لها قديماً حتى وقتنا الحاضر, فأشتبه على بعضهم المسميات, وتم الخلط في التاريخ والأماكن.
فقبيلة البقوم أزدية قحطانية النسب, تقع منازلها في تُربة وأطرافها, وأشهر معالمها جبل حضن, وحرة البقوم, ووادي تربة يحدهم من القبائل العربية من الشمال: قبيلة سبيع وعتيبة ومن الشرق: سبيع,  وبلحارث ومن الغرب: جبل حضن ومن الجنوب: بالحارث وغامد., كانت تُرَبَة قديماً من مساكن بني هلال وعامر بن صعصعة سكن تُرَبَة في الجاهلية العديد من القبائل في أوقات وعصور مختلفة حيث سكنتها قبائل هوازن, وبنو هلال, وبنو كلاب, والضباب, وخفاجة من بني عامر وقد شاركهم في سكنها قبيلة البقوم في فترة ما قبل البعثة وبقيت قبيلة البقوم بتربة حتى صدر الإسلام. واسم تُرَبَة  قديم منذ العهود الماضية من عهد بني المحصن, وابن جندل وملوكهم,  وقد عرف اسم  تُرَبَة كذلك من عهد العماليق, وهم أبناء عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ثم بقيت على اسمها في عهود جرهم, وطسم,  وجديس، وآخرهم جرهم, ومضر, وخزاعة, وقريش, وبقيت محتفظة بهذا الاسم في عهد بني هلال, وبني عامر. وبهذا يتضح لنا أن اسم تُرَبَة قديم جداً منذ العصور الجاهلية. قال النسابة محمد بن منصور: "  قد حذر كبار علماء النسب والتاريخ, من اعتماد تشابه الأسماء والأماكن, واعتبروا ذلك من مزلات علم النسب, وإن وجود قبيلة من القبائل اليوم في منازل أخرى من قبائل العرب القديمة ليس في مرجح لإلحاق هذه القبيلة بتلك لمجرد إننا وجدنا منازل تلك هي ديار هذه في عصرنا, والسبب أن تموج القبائل في الجزيرة العربية أمر معروف منذ القدم, فكم قبيلة كانت في الجنوب, ونزحت إلى الشمال (6) ومن المعروف ان القبائل متموجة, والديار ثابتة وكون قبيلة تسكن هذه الديار, أو تلك لا يعد دليلاً دامغاً, أو قاطعاً على نسبتها إلى من سكن هذه الديار في عصر الجاهلية, أو صدر الإسلام. ومواطن القبائل العربية عند مبعث الرسول صل الله عليه وسلم معروفة وأستمر ذلك في صدر الإسلام مع تغير طفيف بسبب الفتوحات الإسلامية, ثم حصل تغيير كبير لمواطن القبائل فكثرت الهجرات في القرن الثالث, والرابع, والخامس وما بعدهما من الجزيرة العربية الى مصر والشام والعراق, وحصل تغيير جذري لمعالم نجد والحجاز, فاختفت قبائل وظهرت قبائل. 
- الاستناد الفاسد إلى شعراء  معاصرين :
والبعض يستند لقصائد قيلت في أوائل القرن الواحد والعشرين في نسب القبيلة وقائلها ليس من أهل العلم والمعرفة, وقوله, لا يعول عليه  عند أهل العم فهو ليس نسابة, ولا مؤرخ . وقد جاء في محكم التنزيل في سورة الشعراء قوله تعالى: " وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ  وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ. "  (7) وعلى ظاهر الآية ، غالب الشعراء هكذا ، يقولون ما لا يفعلون وفي كل واد يهيمون ، تراه يتكلم هنا, أو هنا, أو هنا بغير حقيقة، بل أشياء يتخيلها ثم يتكلم فيها أو  لحاجات في نفسه, أو لأسباب أخرى. (8)  ولرد تلك الفرية في انتساب الترابين إلى البقوم, جاء نشر نسابة الجزيرة حمد الجاسر الحربي لإفادة أحد شيوخ الترابين في مقال نشره في مجلة العرب التي تصدر في المملكة العربية السعودية, وهي مجلة تعنى بتاريخ العرب وآدابهم وتراثهم الفكري, نقل فيه سؤال للشيخ جمعان بن عيد بن جرمي النبعي الترباني حين سأله عن أصل قبيلة الترابين الذين يسكنون سيناء وما حولها هل لهم صلة ببلدة تُربة وبقبيلة البقوم.؟ فأجاب بما نصه: " الذي أعرفه هو عدم صلة هذه القبيلة الكريمة ببلدة تربة ولا بسكانها البقوم, وإنما أصلها كما جاء في كتاب الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة " ص 1340 ": أن الترابين والوحيدات والحويطات والأحيوات من أصل واحد وينتسبون لقبيلة بني عطية "..الخ  وكما نعلم فإن هذا قول باطل, لأنه بني على باطل لأنه استند لتحقيق محمد حسن محمد حسن اسماعيل محقق كتاب الدرر الفرائد للجزيري الذي أضاف من كيسه عبارة (طوائف بني عطية), ولم يطلع الجاسر رحمه على أصل المخطوط الذي ينفي صلة النسب ما بين القبائل التي عددها محمد حسن في تحقيقه وما جاء في المخطوط الأصلي الذي كتبه الجزيري بخط يده التي لم نجد لها أصلا في مخطوط الجزيري الأصلي الذي كتب بخط يده  " !! (9).   فمقولة البقوم أول من تناقلها هو المؤرخ الفلسطيني عارف العارف قائمقام بئر السبع, ورئيس محكمة العشائر فيها,  والتي يتواجد فيها قضاة الترابين من النجمات والنبعات والقصار, وهم مشايخ فروع القبيلة الرئيسية في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي, وهم: 
- الشيخ حسين أبو ستة, والشيخ حميد الصوفي, وهم قضاة دموم. 
- والشيخ حمد الصانع, والشيخ نمر الوحيدي, وعبد ربه أبو الحصين, والشيخ مصلح بن جرمي, والشيخ سلمان العرجاني من قضاة محكمة العشائر. 
فقد ذكر العارف في كتابه  " تاريخ بئر السبع وقبائلها ص 78 " ما نصه: " الرأي الشائع بين الترابين أنّ جدّهم يدعى "عطية" وهو من الحجاز ومن قريش, وقد كانت منازله في تربة شرقي مكة, وهذا هو السبب في تسميتهم بالترابين ولم أجد من القوم من يؤيد أي رواية أخرى كما أيدوا هذه الرواية التي تشير إلى أن جد الترابين هو " عطية " وان هذا من قريش. وهناك في الحجاز قبيلة لا تزال تدعى في يومنا هذا " البقوم " كما أنّ نجمات الصانع النازلين في الطرف الغربي من بئر السبع يلقبون الآن بالبقوم أو المزارعة (10).  قلت: إشارة العارف لقبيلة البقوم هي للتعريف بأن جدّ الترابين عطيّة مسقط رأسه أو ولادته  "تربة" وهي من مساكن قبيلة البقوم. أما قوله أنّ نجمات الصانع أو المزارعة يلقبون بالبقوم. فهذا  لقب لا علاقة له بالنسب اطلاقاً بل أضاف المزارعة وهي صلة النسب وهم أبناء زارعة كما هو معلوم عند الترابين وهم نجمات, فكما هو معلوم عند الكثيرين من سكان قضاء بئر السبع أنّ الطرف الغربي من بئر السبع هو من مساكن " المزارعة " وهم عشيرة الصانع والشبايبة والدهاينة من النجمات الترابين, ويكثر في هذه المنطقة الخصبة المراعي وتربية الإبل والماشية وهي قوام معاش هذه العربان  من شراء وبيع, وتكثر فيها تجارة الصوف وهي من المناطق المشهورة التي يتجول بها ممتهنو أعمال الدباغة وشراء مواد الدباغة وبيع الصوف, فالمادة التي يستخرج منها صباغ اللون الأحمر هي شجر  العَنْدَمُ,  ويطلق عليه البدو " البقم ", ولا يعتمد البدو التصحيف في القول فربما أطلق هذا اللقب البقوم نسبة بما أشتهرت به هذه المنطقة من تواجد ممتهني مهنة الصباغ في هذه المنطقة. فجاء في لسان العرب  قال أبو حنيفة: العندم: هو البقم وهو شجر أحمر يصبغ به الصوف.قلت: جميع المغالطات في نسب قبيلة الترابين ظهرت في الكتابات المتأخرة جداً, وناقضت ما ذكر في كثير من المراجع التاريخية المعتبرة. وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
* نقض دعوى انتساب قبيلة الترابين لقبيلة جذام الكريمة : 
فصل في ذلك المستشرق الألماني أوبنهايم في كتابه البدو نفيه انتساب الترابين لجذام بقوله: " لم يتبقى من الهجرات الإسلامية الأولى سوى بعض البقايا القليلة ومنها: الجراوين من جذام في مجمعي الترابين والتياها, ومن هجرات طي المتأخرة قبيلتي الجرامنة والعبيدية." (11).فمعظم المغالطات في نسب قبيلة الترابين ظهرت في الكتابات المتأخرة جداً, فابتدأ بها المؤلف سالم اليماني في كتابه سيناء الأرض والحرب والبشر " ص 208 " الذي صدر في أواخر القرن العشرين ظانّاً وواهماً أنّ كل من سكن تربة هو من البقوم  فتناقلها الآخرون من الهواة في بدايات هذا القرن, والذي ألف ذاك الكتاب ألفه على قلة بضاعة في علم النسب, فكتب الأنساب القديمة وكتب التاريخ والبلدان لم تذكر انتساب الترابين بنصٍ صريح لا إلى البقوم ولا إلى جذام, ولو غربل أصحاب الهوى جميع تلك المصادر من كتب التاريخ والأنساب والبلدان لن يجدوا شيئاً مما يروجون له, فلم يذكر الترابين المقريزي في كتابه " البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب " عندما ذكر فروع جذام ومنازلهم, وعندما ارتحل ابن فضل الله العمري " 745 هـ "من مصر للشام وظل بطالا فيها جلس يستخبر ويدون فكتب كتابه "مسالك الأبصار في ممالك الامصار", وقد ذكر أخبار عديدة عن عرب الشام وجذام, وعدد ما رواه الحمداني, وروي له من العربان عن الفروع الكثيرة وعدد لهم الأحلاف, ولم يأتي في ذلك ذكر الترابين ولا في تعديده لعرب الشام. خلاصة ذلك أن عرب جذام سكنوا الشام منذ القدم, وتمددوا بعد الفتح الاسلامي لمصر ونواحيها, وكان ارتحالهم في البادية لا يتجاوز أطراف المدينة المنورة، وتعتبر من الأجسام الكبرى القبلية في الشام. فنصوص المؤرخين والتعامل السليم معها: تدوين التأريخ وتدوين الأنساب هما نتاج بشري معرض للقصور والخطأ والنقص, وفي بعض الأحيان الفرق في الدقة، ولا يعني أن المؤرخ مهما بلغ من مهارة في التدوين أن لا يقع في خطأ, وفي نفس الاطار لا يعني أن المؤرخ الغير متمكن لا يذكر أجزاء من الصواب، فمعيارية الصواب والدقة تحكمها عوامل كثيرة. 
ثبوت قرشية الترابين :
في الختام نقول: جميع المصادر القديمة أشارت لقرشية الترابين فقط  نقلاً عن لسان مشايخ الترابين في ذلك الزمان ,]ودعمت تلك المصادر وثيقة الترابين الموقعة من مشايخ وأعيان ومخاتير القبيلة . قال العلامة المحدث الألباني رحمه اللّه: " ندور مع الدليل حيث دار ، ولا نتعصب للرجال ، ولا ننحاز لأحد إلا للحق ". (12) 
اليكم بعض من المصادر والقرائن والمراجع التاريخية التي ذكرت قرشية الترابين:
- صندوق استكشاف فلسطين سنة 1875ص 243,246
- عارف العارف كتاب تاريخ بئر السبع وقبائلها 77,78
- كتاب فلسطين والانتداب البريطاني من إصدارات مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت لكامل محمود خلة ص, 18
- كتاب سيناء الموقع والتاريخ لعبده مباشر وإسلام توفيق ص,22
- كتاب موسوعة قبائل  بئر السبع ص127
- سيناء ارض القمر اللواء طلعت الجوهري ص, 137
- بدو النقب / دور فريدمان ص 37
- مجلة الهلال المصرية في العدد ا يناير 1974
- الترابين بين الأمس واليوم / ص  28
- تاريخ قبيلة الترابين في جنوب فلسطين وسيناء لحميد الصوفي ص,28
- bedou in century p.o 110,
- كتاب بلدي والأيام محمد ابو سمور ص164 نقلاً عن المستشرق موري في كتابه ابناء اسماعيل وعن المستشرق جون بروك هارت في كتابه الرحلة الى سوريا والأراضي وعن كتاب رباعيات سيناء للمؤرخ فتحي رزق.
- مدينة العريش ودورها في التصدي للحملة الفرنسية / د. رياض الأسطل ص 36
- النظام العشائري في الأردن وأثره في الحياة الاجتماعية ص 26 وهناك العشرات من المصادر الأخرى التي تؤكد ذلك.
ملاحق:






المصادر:
1. تحقيق النصوص بين أخطاء المؤلفين وإصلاح الرواة والنساخ والمحُقيين / د. بشار عواد معروف ص 9,10
2. الدرر الفرائد تحقيق محمد حسن " ج1 ص114"
3. مركز المخطوطات جامعة تشستر بيتي ايرلندا, ومركز المخطوطات جامعة                الكويت والجامعة الأردنية .
4. الدرر الفرائد تحقيق محمد حسن ج1 ص, 209 "
5. اوبنهايم البدو – ص 485
6. قبائل الطائف وأشراف الحجاز ص119
7. سورة الشعراء من الآية 224-226
8. فتاوي الشيخ ابن باز رحمه الله
9. مجلة العرب ج1,2- رجب / شعبان 1405هـ الموافق نيسان / أيار / مايو 1985م
10. تاريخ بئر السبع وقبائلها ص 78, القضاء بين البدو ص 73
11. أوبنهايم البدو ج2 ص32
12. التوسل أنواعه وأحكامه 48
الباحث : اسماعيل بن عياد الترباني 
صور بحثنا المنشور في كتاب النسابون العرب المسمى " قطوف من الأنساب " 













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق