بئر الوحيدي ورحلات الحج القديمة - تأريخ وسقيا - هنا الترابين

عاجل

مدونة تهتم بتراث وعادات وتقاليد قبيلة الترابين

الاثنين، 22 يوليو 2019

بئر الوحيدي ورحلات الحج القديمة - تأريخ وسقيا

بئر "الوحيدي" ورحلات الحج القديمة .. تاريخ وسقيا
تتجدد في مثل هذه الأيام الذكرى حول الآبار التاريخية في المملكة، والتي فقدت دورها الحيوي بعد أن لعبت دورا هاما في رحلات الحج قديما، حيث كانت القوافل تتتبع مواقع الآبار حفاظا على استمرار الحياة، في وقت كانت الصحراء تشتكي الظمأ، فقد سلكت رحلات الحج القديمة التي تأتي من كل اتجاه لمكة المكرمة طرقا تحكمت بها مواقع الآبار، كمحطات حيوية يستريحون حولها لأيام قليلة، يرتوون ويروون حيواناتهم، ويزودون قربهم وأوعيتهم منها بالماء العذب بشكل يكفيهم حتى الوصول للبئر الذي يليه، ومن هذه الآبار (بئر الوحيدي) التاريخي المشهور بمحافظة أملج التابعة لمنطقة تبوك، حيث كانت أملج ممرا للمحمل المصري والشامي وكل القادمين من الغرب عبر البحر الأحمر بحرا، وسيناء برا؛ ولبئر الوحيدي دور تاريخي في سقاية الحجيج ودوابهم عبر سنين طويلة سطرتها رحلات الحج في الكتب.

تقع بئر الوحيدي التاريخية شمال أملج, وتعتبر من الآبار العظيمة التي خدمت رحلات الحج قديما, وتأتي في أهميتها بعد بئر هداج, لسعتها الهائلة وعذوبة مائها, واستمرار تدفق مياهها حتى يومنا هذا رغم التوقف عن استخدامها كمورد طبيعي للماء.
خدمت بئر الوحيدي محافظة أملج بعد توحيد المملكة كمورد عذب عبر شبكة لتوزيع المياه على سكان المحافظة, ففي عام 1374هجري أمر جلالة الملك سعود بربط مدينة أملج بشبكة من المياه, عبر مضخات ومواسير تغذي خزّانات لتصل المياه العذبة لبيوت المحافظة من بئر الوحيدي, فكانت أملج من أوائل المناطق التي عرفت تغذية المياه للمنازل عبر خزانات.
لم أجد أدلة ملموسة تثبت تسمية (بئر الوحيدي) بهذا الاسم, لكثرة الروايات التي جعل الوصول لسبب التسمية صعبا, حيث اختلفت الآراء في مسمّاها وفي تاريخ حفرها. لعبت بئر الوحيدي منذ القدم دورا هاما أثناء (قطين) سكان البادية حوله أيام الصيف والجفاف, حتى وجدنا عبارات الغزل التي تحكي قصص القاطنين حولها في فنونهم الشعبية, وأشعارهم, التي تحكي ممارساتهم, وتبرز ما لبئر الوحيدي من أهمية في استمرار الحياة بمياهها العذبة، ومنها:
بير الوحيدي ليتنا ما وردناه
ورده ظما لو كان في قاعته ماء
فوقه غزيل توُّه القلب واشقاه
عودت من بير الوحيدي وأنا أظمى
وتحتفظ الذاكرة الشعبية بحكايات الحنين التي سطرها الشعر في بئر الوحيدي, وفاءً لدورها في الحياة الاجتماعية, التي نجدها في قصصهم التي تركوها حولها ورحلوا, فيقول الشاعر سالم بن سليّم الفايدي حيث يذكر بير الوحيدي وما دار حوله عبر السنين والتي تجلبها الذكريات كلما مر فيه :
سلام يا عد لك تاريخ حنا ما جهلناه
ما فيه واحدٍ يجهل بتاريخ الوحيدي
يا عد ماضي زمانك ما يروح ولا نسيناه
انت الذي مشتهر مالك شبيه ولا نديدي
ما فيه مثلك قراح وعذب حالي ينشرب ماه
انته قراح النهيل اللي روى جمك سديدي
تعرك عليك الورود وترتوي والجم بملاه
مالك منافس هذاك الوقت يوم انك سعيد
يوم المنازل بهاليها حوالينك مبنّاة
تبنّى بيوت الشعر وايضا عشاش من الجريد
أخذت لك دور حافل بالغلا يا عدْ والجاه
يوم العرب يشترون البن بالسلم المجيدي
يا عدْ حولك قبايل قاطنة من كل مجهاه
ما تسمع إلا حنين النجر والشبّة تقيد
الله ما عاش حولك من تصب السمن يمناه
اللي ليا دق نجره يمه الساري يعيد
يا عدْ ذكرتني بأهل المجاليس المسمّاة
اللي مجاليسهم من كان فيها يستفيد
يا عدْ نذكر ورودك في الزمان اللي لحقناه
هذا مصدّر وذا وارد على جالك عديد
كانت وردوك على جالك تزاحم قيض وشتاه
الله ما جاك من الطيب وملبوسه جديد
ياردك فرق الحمام ما تاردك ركبان ومشاه
من ياردك في هذاك الوقت كنه اليوم عيد
تارد عليك الخشوف اللي مقادمها محناة
كل الضبا ياردنك من قريب ومن بعيد
اللي مضى لك عليك أفواج كل يأخذ سراه
واليوم يا عدْ مخلي لا صدير ولا وريد
يا عدْ روّح زمانك ما بقي لك غير ذكراه
الوقت دوّار ما بعد النزيل إلا الشديد
اللي مضى ما يجيلك غير دلو وواسع رشاه
واليوم يا عد ما يارد عليك إلا الحديد
يا عدْ حنا ترى يا الغالي اللي قد فقدناه
سلومنا مقفية والله يدبّر ما يريد
يا عدْ كل تغير واختلف طبعه وممشاه
اليوم لا تأمن أقرب لك يعوّد لك ضديدي
ما زالت بئر الوحيدي تحتفظ بالمياه العذبة الوافرة، وما زالت قائمة حتى يومنا الحاضر، إلا أنها توقفت بعد أن أدت دورها الحيوي وحافظت على الحياة في سيرة الحجيج وسكان المنطقة عبر دهور طويلة لم ينضب ماؤها، إلا أن طول السنين التي مرت بها ولدورها العظيم في السقيا أضفت صفة تاريخية جعلتها تسكن وجدان سكان المنطقة، لتمر بها الذكرى عند بدء أفواج الحجيج بالحضور لمكة المكرمة كل عام.
____________________________________________________
الاثنين 19 ذو القعدة 1440هـ - 22 يوليو 2019م - جريدة الرياض - العدد " 18655 " (ص 17 ) فاطمة البلوي 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق