الحديث المغلوط عن الوحيدات وانتسابهم لقبيلة بني عطية الكريمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

 إن علم التأريخ من أجّل العلوم نفعاً , وأرفعها شأناً , وأصفاها مورداً فهو المرآة لحوادث الزمان , والمشكاة لاستنارة الأذهان , والمنهاج لاهتداء الخلف , بهدي السلف . فإذا عرف الإنسان أخبار من مضى .. فتحسبه قد عاش من أول الدهر .فكم نقلت إلينا من سير وقصص , بدليل قوله تعالى ( نحن نقص عليك أحسن القصص ) ، وكم قُصت علينا قصص بدء العالم , وبعثات الأنبياء , وأعمال الرسل , ونشأة الشعوب , والطوائف , وأخبار الملوك وحوادث الأمم والأفراد ، وتطورات الأحوال وتقلبات الزمان . ولا تزال كتب التاريخ لها المقام الأرفع بين الباحثين والمؤرخين يستضيئون بنورها ويهتدون بها لمعرفة حقائق وتقلبات الزمان ، ولذلك عني رجال العلم وأساطين العرفان في كل زمان ومكان بتأليفها وتصنيفها وتنميقها وترتيبها وبذلوا جهد الاستطاعة في جمعها والتفنن في وضعها وقسموها إلى خصوصية وعمومية على اختلاف مشاربهم وتنوع مقاصدهم ، ودونوا الأخبار بمصداقية بعيداً عن الأهواء وهؤلاء هم في مصاف الجهابذة من المؤرخين والباحثين والنسابة . ومما يؤسف له في هذه الأوقات بروز صنف من المتعالمين أصحاب ضحالة العلم ممن يبحثون عن الشهرة على حساب المصداقية ليدعموا أبحاثا عقيمة يسهل اكتشاف أمرها من قبل الباحثين والمؤرخين ولاتنطلي إلا على العوام من الناس .

الحديث المغلوط عن الوحيدات وانتسابهم لقبيلة بني عطية الكريمة :

دأب البعض حين الحديث عن نسب قبيلة الوحيدات الحسينية القرشية الإشارة لبعض المصادر في نسبهم لبني عطية وهي :

أ . الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج ومكة المعظمة .

ب . وثائق خط القرمة العثماني .

ج . دفتر أمير لواء غزة .

ولتفنيد تلك الأباطيل بالتفصيل نبدأ بما جاء في كتاب الدرر الفرائد للعلامة عبد القادر بن محمد الجزيري الحنبلي من أهالي القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي , والمنسوخ بخط يده والمحفوظ في كثير من مراكز المحفوظات في الجامعات العربية والأجنبية كجامعة تشستر بيتي الأيرلندية , وجامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية وجامعة الكويت ,  ومكتبة الكونغرس وبعد التدقيق في تلك النسخ لم نجد أي اختلاف في جميع تلك النسخ المحفوظة في جميع مراكز المخطوطات المذكورة أعلاه وجاء النص الدسم كالتالي : ( ينقسم الدّرك على أربعة أقسام : الربع الأول : منهم عربان الوحيدات من شيوخهم عمر بن شاهين بن حسين بن نجيعة بن هرماس بن مسعود , وفي زماننا عين هذه الطائفة وقبض جميع ما يحضره أمير العايد من مبلغ الدرك ويفرقه على أربابه ومن الوحيدات حسن بن بذال وأولاد الفقير عيد وعميرة وجماعات كثيرة وحصة هذا الربع من مجموع المبلغ من الفضة خمسماية نصف ، والربع الثاني : لعربان المساعيد من شيوخهم عتيق بن مسعود بن دغيم وعليان بن مشور وعمران بن حويران من الحوارنة . والقسم الثالث : لعربان الرتيمات منهم محمود بن رابغ وغنام ورفقتهم . والقسم الرابع : لعربان الترابين منهم سلمان العديسي ومحمد بن عجرمة الأسود وونيس ورفقتهم . أ . هـ .

فيتبين لنا من هذا النص أنّ لا وجود لعبارة طائفة بني عطية ولم يذكرها الجزيري لا من قريب ولا من بعيد بل أضافها من كيسه محقق كتاب الجزيري الدرر الفرائد محمد حسن محمد حسن إسماعيل ولم يشير لمصادرة في حواشي كتاب التحقيق وهذا خلل جلل وقد تلقف الصبيان ما أضافه. .

حتى لو وجدت هذه اللفظة في بعض النسخ فلا يعني هذا أن هذه القبائل من بني عطية نسبا لا سيما وأن الجزيري فرّق بين قبائل بني عطية وبني عقبة وغيرها ووصفها بأنها أجناسا مختلفة .قال الجزيري في الباب الثاني في امارة الحج الجزء الأول ص209 من تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل :" عادة أمير الركب الحجازي أن يكون لخيامه من الأبهة والحرمة لأنه سائر بالوفد مار على عربان مختلفة الأجناس كالعُقْبي والبلوي والعطوي والحويطي وغيرهم ." أ . هــ  ويعلم كل ذي لي لب من المنصفين  أن عبارة مختلفة الأجناس تعني : إنهم من أصول مختلفة وكلمة غيرهم تشمل كل القبائل التي أتى على ذكرها الجزيري في مخطوطه الدرر الفرائد . بل إن الجزيري فرق بين بني عطية وبني عقبة في بعض الحوادث كما جاء في ذكر لحوادث عام 907 هــ حين قال في ذكر الحجيج : " خرج عليهم عربان بني لام ، وبني عقبة ، وبني عطية ، وجماعات لا تحصى ... " أ . هــ .

أما وثائق خط القرمة العثماني والادعاء المحموم وفرية انتساب الوحيدات لبني عطية إشارة لما ورد في إحدى صفحات وثيقة بخط القرمة فإليكم الحقيقة بالوثائق : جاء في رأس الصفحة المعروضة عبارة عربان بني عطا وطوائفهم في الدائرة الحمراء في الأعلى شاهد ودقق رعاك الله  ولم يذكر عبارة عربان بني عطية وطوائفهم ومن المعلوم عند المشتغلين بالأنساب والباحثين والمؤرخين أن قبيلة بني عطا قبيلة مستقلة بذاتها ولا تربطها بقبيلة بني عطية أي أواصر نسب . ووجود العبارة أعلاه لا تعني بالضرورة انتساب الوحيدات لبني عطا بل هي تقسيمات إدارية في ذلك الوقت وقد اشرنا لعربان الوحيدات في الدائرة الحمراء الثانية وقد جاء ذكرين ( للمعازة ) في نفس الورقة ومن المعلوم عند المشتغلين بالأنساب أنّ المعازة من بني عطية لحاً . 

ولنبين أكثر ما جاء في كتب التأريخ على اختلاف النسب ما بين بني عطية وبين بني عطا . ذكر الجزيري في مخطوطه اعتداءات بني عطا وبني عطية على قافلة الحج المصري في اواخر العهد المملوكي وما شاهده بنفسه  حين دون مشاهداته خلال خدمته لسنوات طويله ووقوع مضارب القبيلتين على درب الحاج . و ذكر ابن إياس في حوادث سنة 926هـ  في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهورخبر تمرد نائب دمشق جان بردى على الدولة العثمانية وإعلانه الاستقلال في بلاد الشام وزحفه في عسكر كثيف قاصداً ديار مصر ومعه طائفة من الأكراد والعربان فأستدعى نائب مصر مشايخ عربان بني عطا وعربان بني عطية وعربان السوالم وخلع عليهم وكلفهم بالسير إلى لقاء الزحف قبل أن يدخل ارض مصر وكان العربان في غاية ... وهم عربان بني عطا وعربان بني عطية أ . هـ.

وهذه الصورة الواضحة التي سجلها ابن إياس عن الفرق بين القبيلتين .وقد رأينا أن نكتفي بتلك الأحداث التي ذكرها عن العربان . وكثير من المستشرقين والمؤرخين فرق ما بين بني عطا وبني عطية .

ما جاء في دفتر أمير غزة : 

فرقت الدفاتر الخاصة التي تعود لعام 945 هــ 1538 / 1539 م ، وعام 964 هــ 1556 / 1557 م ، و 1005 هــ 1596 / 1597 م بغزة بين عربان بني عطية وعربان بني عطا . وقد ذكر دفتر يعود لعام 945 هــ 1538 / 1539 م أن بني عطية من طوائف عربان بني جرم . الدفتر رقم (T.D131) - اسطنبول . فهل يقول عاقل أن هذه النصوص نصوص نسب ؟ فهل بنو عطية من بني عقبة في الحجاز ، وفي نفس الوقت من بني جرم في فلسطين ؟ 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ