{ الحسنـــــــــى } :
الحسنى كلمه كثيراً ما نسمعها بين البدو , وهي الجميل الذي يصنعه الأنسان لأخيه الأنسان وهي في أصل اللغة : ( العاقبة الحسنه)
يقول البدو لصانع المعروف { حسنى } وفي الأصل محسن أو محسان وهو كثير الأحسان وجمعه حساني وللرجل الذي صنع المعروف من أجله محسون { الحسنى } أنواع منوعة , منها وأهميتها : حسنى الموت وتسمة أيضاً حسنى المثبر وهي أن تنقذ رجلاً من الموت عندما يكون هذا مشرفاً عليه كأن يكون في حرب مع قوم أقوى منه , أو غزو لا قبل له به فتنصره , أو عابر سبيل وقف له شقي بالمرصاد فتنقذه من شره , أو ظمآن أشرف على خطر الموت من شدة الظمأ فتأتي اليه بالماء وتسقيه وتنقذه مما هو فيه أو غريق تنتشله من لجة الماء فتنقذه من الغرق أو رجل وقع عن حصانه في معركة فتركض اليه وترفعه من على الأرض ثم تضعه على حصانك وتهرب به.
{ حسنى العرض } وهي أن تنقض فتاة من يد خاطفها قبل أن يسطو على عرضها .
{ حسنى المــــال } وهي أن تركض لاغاثة الملهوف فترد اليه ماله المنهوب .
{ حسنى الميـــت} اذا وجدت ميتاً ملقى على الأرض فأخذته وكفنته ودفنته يعد عملك هذا أيضاً حسنى وهو من قبيل حسنى المثبر أي انه من أكبر أنواع الجميل ولا يعد المرء انه قام بالحسنى الا بالشرطيين التاليين: ان يكون المحسون من قبيلة غير القبيلة التي ينتمي اليها هو فاذا صنع رجل من الترابين مثلاً جميلاً لرجل آخر من الترابين فلا يعد عمله هذا حسنى , أن يكون الجميل الذي قد صنع بالقوة والغصب لا باللطف والأدب اذ ليس للجميل الذي يصنع باللطف والأدب كبير من الأهمية في نظر البدو. وعلى الرجل الذي صنع الجميل من أجله أن يرده بأحسن منه ويرى البدوي دوماً نفسه مديناً لحسناه ولذلك تراه يركض لأغاثته عند وقوعه في ضيق أو تعرضه لكرب ولا يخلص المحسون من اللوم والسواد اذا قصر في واجبه هذا الا اذا ثبت انه غير قادر على رد الجميل كأن يكون المعتدي على حسناه من عشيرته وأقوى منه وقد يستغيث هذا في مثل هذه الحالة برجل آخر ليساعده على القيام بواجبه نحو حسناه.
ويتوارث الأبناء الحسنى عن آبائهم ثم تنقل هذه الى الأبناء فالأحفاد وهكذا جيلاً بعد جيل .
وهذه الحكاية تدلك على مبلغ حفظ البدو للجميل: عندما كانت الغارات متصلة بين المعازة ( بني عطية) والترابين قام منصور أبو بغدادي من عرب الطميلات التابعين لمديرية الزقازيق بتقديم مساعدة للترابين وذلك بأن مكنهم من المرور من أراضيه , الأمر الذي مكنهم من الأنتصار على خصمهم المعازى ( بني عطية).
وقد حدث بعد ذلك أن غضب الخديوي ( اسماعيل باشا) على الشيخ / صقر أبو ستة شيخ الترابين لسبب من الأسباب فأخذ يبحث عن طريقة لأستجلابه ليتمكن من تأديبه فأنتخى له ( منصور ابو بغدادي) وتعهد للخديوي بأحضار ( صقر أبو سته) ولما جاء البغدادي لأبو ستة لم يشأ صقر أن يتأخر لأن منصور حسناه وقد سبق أن صنع من أجله الجميل الذي وصفناه فيما تقدم فأظهر رغبته في السير معه والمثول لدى الخديوي مع علمه بأن الخديوي كان حانقاً عليه ولا بد أن يؤذيه , سار الأثنان معاً ولما دخلا القصر ومثلا بين يدي الخديوي فقص صقر قصته وأفهمه حقيقة حاله فأكرم الخديوي وفادته وأنعم عليه بكسوة وبعدد كبير من الأراضي والأطيان التي لا زال فريقاً من الستوت يزرعزنها حتى الآن ويعتقد الترابين أن صقراً أبا ستة ما كان لينال ما ناله من عطف الخديوي لولا انه سلم نفسه الى حسناه وعمل بمشورته . فالعرايشية لهم حسنى كثيرة مع النبعات الترابين ومع عشيرة الزريعي من غوالية الترابين وللرواد في معان من ديار الاردن لهم حسنى مع عشيرة ابو سته ولعشيرة شعث حسنى مع عشيرة ابو عويلي ولو أردنا أن نعدد الأمثلة عن الحسنى لضاق بنا المقام .
________________________________________________________________________________
القضاء بين البدو / عارف العارف ص(119,120, 121)
تاريخ سيناء / نعوم بك شقير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق