معنى الفراسه في معجم المعاني : المهارة في التعرف على بواطن الأمور من ظواهرها ...
وفي الحديث : حديث شريف ( اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله)
تعريف الفراسة في لسان العرب (لأبن منظور)
الفراسة بكسر الفاء: النظر والتثبت والتأمل للشيء والبصر به , يقال انه لفارس بهذا الأمر اذا كان عالمآ به وتفريس في الشيء : توسمه ولفظ الفراسة مصدر وفي الحديث اتقوا فراسة المؤمن قال ابن الأثير: يقال بمعنيين : أحدهما ما دل ظاهر الحديث عليه وهو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال بعض الناس
بتوع من الكرامات واصابة الظن والحدس والثاني نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والأخلاق فتعرف به أحوال الناس.
أشتهر العرب قديمآ بالفراسة حيث كان العربي وبفضل فراسته يستطيع أن يعرف من ملامح الشخص وخصوصآ وجهه وأن يعرف أصل هذا الشخص ومن أي قبيله.
وقد تفرع علم الفراسة عند العرب الى علوم كثيره وهي:
1. العيافة( فراسة الأثر) تحليل آثار الأقدام واستنتاج المعلومات عن هذا الأثر سواء للحيوان وهو من فنون الصيد وذلك بتتبع أثره وما يتركه ورائه فان كان براز يستطيع ان يعرف كم من المده الزمنيه عمر هذا البراز وان كان اثرآ يستطيع معرفة هل هو حديث أم قديم واذا كان الأثرلأنسان يستطيع ان يعرف جنس هذا الشخص سواء ذكر او انثى صبي او شاب او كهل وكذلك عمره ووزنه ..الخ
2. القيافة( فراسة الأنسان) معرفة خصائص الأنسان السلوكيه والنفسية من خلال النظر للوجه وما يحويه من اجزاء كالعين والأنف والأذنين والحواجب وملاحظة خصائص الجسم عامه كالاذرع والسيقان والأقدام والظهر والكتف وغيرها من الأعضاء
3. الريافة( البحث عن الماء) معرفة وضعية المياة الجوفيه في التربه من خلال شم التربه او ملاحظة النباتات ومدى نموها وحجمها وملاحظة الحيوانات وسلوكها في تلك المنطقه .
4. فراسة الجبال ومعرفة الكنوز والمعادن المدفونة بها
5. فراسة الغيوم والرياح وتوقع هطول الأمطار
6.فراسة الحيوان وطباعه صفاته المحموده والمذمومه
ومن أجمل قصص الفراسة :
ان الشافعي قال: خرجت الى اليمن في طلب كتب الفراسة, حتى كتبتها وجمعتها ثم لما كان انصرافي مررت بطريقي برجل, وهو محتبي بفناء دارة أزرق العينين, ناتىء الجبهة سناط فقلت له: هل من منزل؟ قال: نعم قال الشافعي: وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة , فأنزلني , فرأيته أكرم رجل, بعث الي بعشاء وطيب وعلف لدابتي وفراش ولحاف قال: فجعلت أتقلب الليل , أجمع ما أصنع بهذه الكتب, فلمل أصبحت قلت للغلام : أسرج فأسرج , فركبت ومررت عليه , وقلت له: اذا قدمت مكة
ومررت بذي طوى , فسأل عن منزل محمد بن ادريس الشافعي , فقال: أمولى كنت أنا لأبيك؟ فقلت: لا قال: فهل كانت لك عندي نعمة؟ فقلت: لا قال: فأين ما تكلفت لك البارحة قلت: وما هو ؟ قال: اشتريت لك طعامآ بدرهمين وأدمآ بكذا, وعطرآ بثلاث دراهم , وعلفآ لدابتك بدرهمين , وكراء الفراش واللحاف درهمين قال: فقلت: يا غلام أعطه , فهل بقي من شيء؟ قال: نعم كراء المنزل فأني وسعت عليك, وضيقت على نفسي بتلك الكتب, فقلت له بعد ذلك هل بقي من شيء؟ قال: لا قلت: امض من جزاك الله , فما رأيت قط شرآ منك. ( المقاصد للسخاوي)
كان عِلْمُ (الفراسةِ) وما يزال عِلْماً عجيباً مثيراً، لأنّه قائمٌ على تفرُّس صاحبه في الأشخاص والأحوال التي يراها وتأمُّله فيها بدقَّة لا تتوافر لغيره تؤهِّله لمعرفة ما يخفى على غيره من الناس من الطِّباع والأحوال، وهو قائم على النظر الثاقب، والذهن الوقَّاد الصافي من جهة، وعلى علمٍ ودرايةٍ بدلائل الأشكال والمظاهر على ما وراءها من الطباع والصفات، وعلم الفراسة قائمٌ على خلاصة تجارب البشر عبْر الأزمان والأجيال، وعلى نتائج المتابعات الدقيقة لحالات الأُمم والشعوب والمخلوقات.
وليس في علم الفراسةِ من ادِّعاء الغيب شيءٌ على الإطلاق لأنّه يقوم على مقارنات، وتقديرات تجريها العقول الذكيَّة لكثير من الحالات، فهي شبيهة بالمسائل الرياضية والمعادلات الكيميائية التي يختلف الناس في معرفتها والإلمام بها.
ولقد كان وما زال بعض الناس مشهورين بالفراسة، قادرين عليها، وفي طيَّات كُتب السِّيَر وتاريخ الأُمم آلافُ القصص والعجائب الدَّالة على ذلك، وفي الواقع المعاصر مواقف في علم الفراسة يعرفها الناس ويتناقلونها.
وقد نُقل عن الإمام الشافعي - رحمه الله - أنه تعلَّم علم الفراسة فترة من الزَمَنْ، وكان يتعرَّف على الناس من خلال ما تعلَّم أحياناً، وقد عُرف ذلك عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، واشتهر بالفراسة عددٌ من القضاة يأتي في مقدِّمتهم إياس بن معاوية، وشُريح وغيرهما.
وقد عُرف عن الخليفة العباسي (المعتضد بالله) أنّه كان قويَّ الفراسة ثاقب النظرة بصورة عجيبة مثيرة كانت تدهش الناس.
ومن طرائف فراسة (المعتضد بالله) ما رُوي عنه من أنّه أمر ذات يوم بأن يُعَدَّ له مجلسٌ يرى منه العُمَّال والصُنَّاع وهم يشتغلون، وجلس في ذلك المجلس يتأمَّل عمل العاملين، فرأى من بين العمَّال عاملاً أسود منكر الخلقه، قويّ الجسد، شديد المرح، وكان يعمل بجدٍّ ونشاط أضعاف ما يعمل غيره، وكان يقفز درجتين وهو ينقل ما يحمل، فأنكر المعتضد بالله أمره، وأمر بإحضاره وسأله عن حاله، فاضطرب العامل وتَلَجْلَجَ، فقال المعتضد بالله لجلسائه: هل وقع في نفوسكم من أمر هذا العامل ما وقع في نفسي، فقالوا، وَمَنْ هذا حتى تصرف نظرك إليه يا أمير المؤمنين، فقال: لقد وقع في نفسي منه شيءٌ، فإمّا أن يكون معه دنانير قد ظفر بها دفعة، وإمّا أنّه لصٌّ يتستّر بالعمل.
ثم دعا به وشدَّد عليه في المسألة، وهدَّده بالقتل إنْ لم يصدق، فقال: أصدق ولي الأمان، قال المعتضد بالله: نعم لك الأمان إلاّ فيما يجب عليك بشرع الله، فظنَّ العامل أنّ أمير المؤمنين قد أمَّنه ولم ينتبه إلى الاستثناء فقال: كنت أعمل أجيراً، فمرَّ بي رجلٌ في وسطه حزام، فجلس قريباً مني دون أن يراني، فحلَّ الحزام وأخرج منه الدنانير، وإذا بالحزام مليءٌ بالدنانير، فهجمت عليه وكتفته وشدَدْتُ على فمه، وأخذت الحزام، وحملت الرجل على كتفي وطرحته في حفرة، وطيَّنته بالطين، ثم عدت إليه بعد مدَّة من الزمن فأخرجت بقايا جسده، وألقيت بها في دجلة.
فأنفذ المعتضد من أحضر الدنانير من منزل العامل فإذا باسم صاحب الحزام مكتوب عليه، فأمر بالبحث عن أهل صاحب الاسم فعثروا على امرأة قالت: هذا زوجي، ولي منه هذا الطفل خرج وقت كذا وكذا ومعه ألف دينار فغاب إلى الآن.
فسلَّم الدنانير إلى امرأته وأمرها أن تعتدّ، وأمر بضرب عنق العامل ودَفْنِه في تلك الحفرة، فعجب جلساء المعتضد بالله أشدَّ العجب مما رأوا.
قصة من آلاف القصص من أراد الاستزادة منها فلْيرجع إلى بعض كتب الفراسة وفي مقدِّمتها كتاب (الفراسة) لابن القيم رحمه الله.
إشارة
الألمعيُّ الذي يَظنُّ بك الظنَّ كأنْ قد رأى وقد سمعا.
د. عبد الرحمن العشماوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق