من هم عرب وادي الحوارث ؟ وما هو وادي الحوارث ؟
وادي الحوارث منبسط فسيح , وسهل مترامي الأطراف , يؤلف قسماً كبيراً من السهل الغربي من فلسطين في قضاء طولكرم ,جيد التربة والهواء , مساحته لا تقل عن خمسين ألف دونم , وليس في فلسطين من السهول الكبيرة التي يتنافس فيها غير مرج ابن عامر بين الناصرة وجنين والكرمل وبيسان , وسهل وادي الحوارث هذا , وهو القطعة الزراعية المهمة في فلسطين ,القطعة التي طمع في الإستيلاء عليها اليهود , فقد كثرت المستعمرات شمال الوادي وحتى جنوبي الكرمل , ومن جنوبه حتى يافا , وليس وادي الحوارث وادياً بين جبلين كما يتبادر الى الذهن من كلمة واد , بل هو هذا السهل الساحلي الذي يقل نظيره لا في فلسطين , بل في خير الأرضين والبقاع في العالم , وإذا القيت نظرة على " الخريطة " التي استعملها الانجليز بعد الحرب العالمية الاولى , فهي في نقطة وسطى بين طولكرم والشاطيء , وهي صورة سيفين متقاطعين بقدر الفلقة الصغرى من حبة الأرز , وهي رمزاً الى المعركة التي وقعت بين الانجليز والترك هناك في 19/9/1918 حول هذا السهل , أما عرب وادي الحوارث , وقد سمي هذا السهل باسمهم , فهم قبائل ينتمون بمعظمهم الى بني حارثة , وبنو حارثة فخذ من طي , ولكن يتخللهم في ذلك الوقت ومن قديم الزمان رشاش من عرب بني زبيد الذين منهم البطل العربي عمرو بن معدي كرب صاحب " الصماصمة " , ورشاش من عرب السرحان الذين في شرق الأردن , نزل الحوارث هذا المكان منذ قرون , ولكن بعد الحرب الصلاحية , عهد الملك الظاهر بيبرس , وكانت منطقة إقطاعهم واسعة الأرجاء تمتد من نهر العوجا جنوبي يافا , الى ساحل حيفا شمالاً ويدخل في ذلك بلاد حارثة في جنين ومرج ابن عامر أيضاً . وصل عرب الحوارث من نجد فليسمع من في الرياض ومكة جاؤوا سوريا ونزلوا حماة , ومن حماة نزحوا الى فلسطين لأسباب لا محل لذكرها هنا وهي معلومة في التاريخ , وكان على رأسهم الأمير يعقوب , ويقال ان
( جسر بنات يعقوب ) قرب الحولة , انما سمي هكذا لحادثة وقعت هناك والأمير يجتاز النهر بجماعته وأهل بيته وهو قادم فلسطين , وخلاصة تلك الحادثة ان الأمير لأمر اراده , وهو عدم تزويج بناته ممن كان يريد الأقتران بهن , اضطر الى اغراقهن في النهر وفعل فسمي المكان من ذلك الوقت بـ ( جسر بنات يعقوب ) والله أعلم .
سمي وادي الحوارث قديماً باسم وادي اسكندرونه وسمي بوادي الحوارث في القرن الحادي عشر الهجري نسبة لقاطنية من عرب الحوارث فمنذ العهد العثماني وعرب الحوارث يقطنون هذا الوادي ويقومون بفلاحته ودفع ضريبة الويركو عن تلك الأراضي , وتم دفع هذه الضريبة ايضاً في عهد الإنتداب البريطاني .
الأمير ناصر وأنطون التيان :
ويستمر تاريخ عرب الحوارث يسرد اخبارهم وهم " قوم " اعزة النفوس , شداد المراس , تقلبوا في الامارة والاقطاع عهد عهيداً , وليس للمكان بمتسع لتتبع ادوارهم على التوالي وإنما نقف هنيهة عند نقطة خاصة لنقول : ان أحد امرائهم المتأخرين وهو الامير ناصر كان له اختان ( صبحة ) و ( ذهيبة ) وكان كثير الانفاق , فثقل عليه ان يدفع الى الحكومة العثمانية الضرائب والأموال الأميرية , ولعل ضيق ذات يده وقتئذ كان ناشئاً عن " حرب " كان يصلاها ويصليها بسبب اخته ( صبحة ) , وقد ارتقينا في التاريخ الآن الى نحو 50 او 60 سنة خلت في عهد الأتراك , فذهب الأمير ناصر الى يافا , وأستدان من ( انطون التيان ) السوري الأصل , الغني الثري , المقيم في يافا مبلغاً يقال انه خمسة الآف من الذهب حسب ذمة هذا الثري , كان سبباً في كل ما نزل بعدئذ بالحوارث من بلاء حتى جاء الانجليز واليهود يتممون الفاجعة على مشهد من الملأ .
مبلغ " الخمسة الاف ذهب " يذهب بألفي نفس في ذلك الوقت !!
وعجز الأمير ناصر عن الوفاء , فجعل رأس المال يتراكم مع الفوائد , ثم كان وادي الحوارث قد اصبح مسجلاً في دائرة ( الطابو ) باسم الأمير وحده , والعرب ظلوا فيه يحرثون ويزرعون , ويحصدون ويشتغلون , اذ ان التسجيل وقتئذ باسم الأمير لم يؤثر في مزارعتهم وحقهم , ولما عجز الأمير عن الوفاء , طلب التيان بخبث ومكر رهن هذا الوادي له ويقوم الأمير بتسديد المبلغ بأقساط سنوية في كل محصول ومن هنا تأسست المعظلة الهائلة , وتشعبت وجوهها , وقبل ان نوجز ذلك , نقول ان الأمير ناصراً مات قتيلاً , قتله أحد عبيده المسمى " جوهر " وحجة العبد في قتل اميره ومولاه ان هذا قتل أخاه , ولكن يقال حسب الرواية الأخرى ان جماعة من ( الزبيدات ) لم يكونوا راضين عن رهن الوادي , فنقموا على الأمير ناصر , وأشتدت حفيظتهم عليه , فدفعوا العبد جوهراً حتى قتله , وبقتله انقطعت ذرية الامارة فأنفرط عقدهم ولا أمير يقودهم ولم يقم فيهم بعد مقتل الأمير ناصر من يجمع امرهم , ويعيد بيت امارتهم , فكأن الدهر جعل يعدهم ليكونوا لقمة سائغة في فم الاستعمار البريطاني والخبث اليهودي , بل كان هؤلاء القوم سادة نجد من قبل , وجبلهم جبل طي لم يزل معصماً من معاصم الجزيرة , وقد كتب لهم أن يكونوا من عرب فلسطين وسوريا .
المشكلة بعد الحرب العالمية الأولى :
ولدت المشكلة الحقيقية منذ اصبح التيان مرتهن الأرض , لرفضه أخذ المبلغ الذي اتفق على تقسيطه باتفاق بينه وبين الأمير والذي قدمه عرب الحوارث بعد مقتله , ومنذ مقتل الأمير ناصر , وعن طريق حكومة الاحتلال البريطاني ابتاع التيان الوادي لنفسه سداداً لدينه , والتيان له علاقات في فرنسا , وله ديون وعليه ديون , وكان من دائنيه اسرة ( استراغان الفرنسية ) , وعجز التيان بدوره عن الوفاء لاستراغان كما عجز الأمير ناصر عن وفاء دينه من قبل , فرهن التيان وادي الحوارث لـ هنري استراغان , فصار وادي الحوارث , وهو ملك عرب اقاموا فيه مئات السنين , مرتهناً لفرنسي يقيم في باريس , وسبحان مقلب الامور , وحين وضعت الحرب العامة اوزارها وجاء الاحتلال وقد بانت اهدافه بوعد بلفور , وفي أول الحكم المدني بعد العسكري تجددت المشكلة , فحضر الى فلسطين ورثة استراغان وأقاموا الدعوى في محاكم فلسطين بما لهم من مال في ذمة التيان , وبيدهم الرهن , فحكمت المحكمة بذلك وطرحت الأرض
( وادي الحوارث ) للبيع في المزاد العلني , وكان الدين يبلغ نحو 15 الف جنيه فلسطيني , وهنا قاربت القضية تدرك خاتمتها المشؤومة ,
استأنف عرب الحوارث قرار المحكمة , وبقيت القضية في المحاكم حتى سنة 1933م فعقد اجتماع حكومي في طولكرم لحل قضية وادي الحوارث قبل مجيء وكيل وزير المستعمرات البريطاني فعقد الاجتماع في سراي الحكومة في طولكرم دام نهاراً كاملاً من الصباح الى المساء وحضرة كل من المستر ستابس مدير الاراضي والمستر بيلي حاكم نابلس وخليل افندي عبد النور قائمقام قضاء طولكرم ووكلاء اليهود الخواجا خانكن والمحاميان ماني وبن شمش ووكلاء العرب المحاميان محمد بك التميمي وعثمان بك الشناق والسيد عبد الله السمارة وبعد محاورات ومجادلات وأخذ ورد ابلغت الهيئة شيوخ عرب الحوارث الذين كانوا يملأون ساحة السراي انها ترى اعطاءهم الأرض المختلف عليها من وادي الحوارث الى ان تتم الدعوى المقامة بشأنها على ان يتعهدوا بدفع خمس المحصول اذا لم يحكم لهم بملكية هذه الأرض فرفض شيوخ وادي الحوارث هذا الرأي ولم يقبلوا بتوقيع أي تعهد عن ذلك خوفاً من أن يؤثر على حقهم في الدعوى المقامة لدى المحاكم واحتجاجاً على سخافة هذا الرأي انسحب شيوخ عرب الحوارث ومحاموهم جميعاً من الاجتماع . وبعد أيام من الاجتماع في سراي الحكومة صدر هذا البلاغ الرسمي رقم 32- 32 لسنة 1933 : ان اراضي وادي الحوارث البالغة 30826 دونماً والمسجلة على اسم عائلة التيان طرحت للبيع في المزاد العلني في شهر نيسان سنة 1929م وذلك بأمر صدر من محكمة مركزية نابلس تنفيذاً لقرار حكم بدين , وقد اشترت هذه الاراضي شركة راس مال القومي اليهودي وسجلت باسمها في 27 ايار سنة 1929م وقد خطر المزارعون العرب باخلاء الارض في بحر سنة ابتداء من اذار سنة 1928م وامضى قسم منهم اتفاقيات مع شركة راس المال القومي اليهودي بأن يخلوا الأرض مقابل تعويضات نقدية , ولكن الارض لم تخل في الوقت المعين فأصدر رئيس محكمة مركزية نابلس بصفته رئيساً للاجراء وفي 30 تشرين ثاني سنة 1929م امر باخراج العرب ولم يكن من الضروري في ذلك الوقت تنفيذ الأوامر بحق سكان القسم الجنوبي من وادي الحوارث وذلك لأن المحكمة خولتهم الرجوع الى مساحة قدرها 6000 دونماً لم يبت في ملكيتها حينئذ بين القبيلة وبين شركة رأس مال اليهود اما سكان القسم الشمالي فإن الحكومة باشتراك شركة راس المال القومي اليهودي تمكنت من ايجاد ارض لهم تبلغ 3000 دونماً تخص شركة راس المال القومي اليهودي على اساس الايجار للمدة الواقعة بين 20شباط 1932م الى 31 آب سنة 1933م وفي اثناء ذلك كانت الحكومة تسعى لايجاد غير هذه الاراضي لاسكان القبيلة كلها وتوفقت في الحصول على مزارع لائقة في بيسان كافية لاسكان القسم الشمالي من القبيلة الذين تنتهي مدة اجارهم في وادي الحوارث في 31 آب سنة 1932م وابعاد سكان القسم الجنوبي الذين ردت المحكمة العليا ملكيتهم لـ 3000 دونم في وادي الحوارث اتى ورود ذكرها سابقاً وفي 14 آب قدم حاكم اللواء الشمالي بالنيابة عن الحكومة الى القضاء الشروط التي بموجبها تكون الحكومة مستعدة لاسكانها , وتضمنت تخصيص من 40الى 60 دونماً من الاراضي القابلة للري , منظفة من الحجارة تحرث حرثاً عميقاً على نفقة الحكومة عند الحاجة واصطبلات ومخزن لكل عربي واعفاء من بدل الايجار في السنتين الاولتين اذا ما فشلت المحاصيل وتقديم الذرة وبعض الحبوب في فصل الشتاء الاول ونقل افراد القبيلة ماشيتهم وامتعتهم ومستلزماتهم مجاناً ايضاً واعطائهم منحة قدرها 2300 جنيه فلسطيني تعويضاً عن مزروعاتهم التي بقيت عند اخراجهم وقد اعطيت القبيلة مدة اسبوعين للاجابة والحكومة مستعدة للبحث في ترتيبات لاسكان القبيلة في المستقبل , وكان مضمون هذا البلاغ ان ما حل بسكان القسم الجنوبي من عربان وادي الحوارث من تشريد واجلاء وهلاك بالقوة العسكرية الغاشمة سيحل بعربان القسم الشمالي وهي سياسة للبدء بمشروع الوطن القومي لليهود وهي انذار لمصائب كبرى وهي اجلاء للعرب اجمعين عن موطن ابائهم واجدادهم وفعلاً قامت حكومة الإنتداب في البدء باجلاء عرب الحوارث من القسمين الشمالي والجنوبي وقامت بهدم معظم بيوت الوادي , والأبقاء على المزروعات وكانت مأساة شبهها البعض بمأساة اندلس القرن العشرين تطهير عرقي بإمتياز لأسكان اليهود في هذا الوادي الخصيب لاقامة مستعمرات لهم , وبقي عرب الحوارث رغم ما اصابهم يقيمون على مقربة من الوادي في العراء على أمل الرجوع لمزارعهم وبيوتهم التي هدمت, وقد قررت اللجنة التنفيذية العربية برأسة موسى كاظم الحسيني في اجتماعها الأخير سنة 1933م تأليف لجنة محلية في طولكرم , لتلقي المساعدات لعرب وادي الحوارث وتوزيعها على المحتاجين منهم وقد تقرر في الوقت ذاته ان يشكل كل عضو من اعضاء اللجنة التنفيذية لجنة محلية في بلده لجمع التبرعات لعرب الوادي وارسالها الى اللجنة المحلية في طولكرم وقامت بنشر بيان ونداء لاهالي فلسطين لمد يد المساعدة لعرب وادي الحوارث بالمؤونة اللازمة نظراً للضيق الذي وقعوا فيه وتشكيل لجنة في طولكرم يكون من ضمنها عضو اللجنة التنفيذية هاشم افندي الجيوسي وسليم افندي عبد الرحمن لتلقي المساعدات وتوزيعها على المضطرين بالتنسيق مع المناضل الشيخ اسماعيل العوفي والاستمرار في نشر ظلامة عرب الحوارث , وحادثتهم لدى عصبة الامم وحكومة لندن وغيرها في الشرق والغرب ومراجعة الحكومة والسعي معها لحل قضيتهم على اساس بقائهم في ارضهم وقد تبرع بعض اعضاء اللجنة التنفيذية منهم بأسماء مدنهم ومنهم باسمائهم الخاصة بهذه المقادير : 1. شكري بك التاجي باسمه ( خمسة قناطير قمح ) 2. رشدي افندي الحاج ابراهيم بأسم حيفا ( خمسة عشر جنيهاً )3. احمد افندي الشكعة بأسم نابلس
( عشرة شوالات قمح عدا ما ارسلته نابلس سابقاً وهو عشرة شوالات قمح وتنكتان من الزيت ) 4. عوني بك عبد الهادي ( عشرة شوالات قمح ) 5. خليل افندي بسيسو وعبد العظيم افندي الغصين ( عشرة شوالات قمح ) 6. مغنم افندي مغنم ( خمسة شوالات قمح ) 7. صالح افندي الصفدي ( قنطار قمح ) 8. سعيد افندي درويش
( خمس تنكات زيت ) 9. الشيخ حمد الصانع الترباني والشيخ ابراهيم الصانع التياها بأسم بئر السبع ( عشرون كيساً من الشعير ) خلاف ما ارسل سابقاً .
وادي الحوارث يبتاعه اليهود :
ونادى المنادي في المزاد قولهم المشهور , واذيع في الناس ان وادي الحوارث للبيع , وصيح في البلاد ان شبح الكارثة أخذ يقترب , ولكن الوادي كان في واد والأمة في واد , فذهبت البلاد , وبعدهم البعاد , وكان الصهاينة وصناديق اموالهم مترعة بالمال , متهيئين , واقفين بالمرصاد , فتقدموا واشتروا الوادي , بالمزاد العلني , بنحو 42 ألف جنيه فلسطيني والوادي يساوي أكثر من هذا المبلغ بكثير , فأصبح اليهود يلحون باخراج العرب , وتسلم الأرض , وجعل لسانهم يسيل لعاباً , لانهم يمتلكون الوادي الآن , وهو الفاصل على الساحل بين خطي مستعمراتهم الشمالية والجنوبية , ويصبحون سادة السهل الخصيب وحكامه من وجهة الاستعمار الصهيوني , ووجهة الامتلاك الزراعي والعسكري , واستمر اليهود في هذا النهج للآستيلاء على الأراضي المرهونة عن طريق المزاد سواء لاشخاص او للبنك الزراعي العثماني الذي ورثة امواله ورهوناته حكومة الإنتداب البريطانية فبدأ اليهود بأنشاء المستعمرات في كل ارض قاموا بامتلاكها عن طريق المزاد وبدعم من حكومة الانتداب فكل قطعة ارض زراعية استولوا عليها كان تقام علية مستعمرات ببرنامج معد سلفاً زراعي عسكري حربي معاً .
محاولات عرب الحوارث البقاء في الأرض :
اما عرب الحوارث فقد حاولوا بطرق شتى البقاء في الأرض أو ناحية منها , وقرعوا باب القضاء بزعامة الشيخ اسماعيل العوفي شيخ مشايخ عرب الحوارث الذي استعان بكثير من المحامين , فلم يفلحوا الا بتأجيل قرار الأخلاء , وطالبوا بحقوق متعددة فلم يسعفهم قضاء ولا قدر , ولا عرب ولا بشر , ومما طالبوا به ان هناك قطعة تبلغ مساحتها نحو ستى الآف دونم , لم تشملها حدود الأرض المسجلة باسم التيان قديماً , وقالوا انهم عمروا هذه الأرض وكانت مواتاً , وخراباً يابساً فلم يجابوا الى شيء مما طلبوه وطالبوا به , فكانت الاجراءات الشكلية الجافة تسير سيراً قانونياً شكلياً ايضاً , وأخيراً انهت الحال الى تحديد الأرض بحدودها الحاضرة , وأدخل الستة الآف دونم المذكورة ظلماً في الأرض التي اشتراها اليهود , وادعى عرب الحوارث بحق الأولوية لأنهم قاطنون في الأرض منذ مئات السنين , ولهم فيها بيوت ومساكن , وقبور وعظام لموتاهم , ومصالح وحياة وكيان فلم يعطوا شيئاً .
السلطة البريطانية الصهيونية المعروفة بحكومة فلسطين وقضية عرب الحوارث :
لم تظهر السلطة البريطانية الصهيونية هذه , والمعروفة بحكومة فلسطين , في أمر ما بمظهر العاتي المتجبر المشيح بوجهه عن كل ما يقال له عاطفة انسانية , وشفقة بشرية , وحس مدني , واقامة وزن لصوت الضمير والوجدان , كمظهرها في هذه القضية التي تمثلت فيها صورة الوحشية الاستعمارية البريطانية اشنع تمثيل , وضربت فيها المثل على ان الاستعمار الذي يجري في فلسطين لا يمثاله شيء في الدنيا غير اعمال الانجليز في دنشواي في مصر في ذلك الزمان وما قامت به في الهند وفظائع ايطاليا في صحراء سرت ,وغيرها من المستعمرات التي كانت تحكمها , فقد جعلت هذه السلطة منذ اوصدت الابواب جميعها في وجه عرب وادي الحوارث , تحاول اخراجهم من الأرض واسكانهم في اماكن اخرى ليحل اليهود محلهم , غير مسؤوله كسلطة احتلال في حل المشكلة من اقرب طرقها وهو ابقاء عرب الحوارث في الارض في جهة منها وهي حق لهم وتقسيط ثم الرهن عليهم الى مدد معلومه وهذا ما تم عرضة من قبل عرب وادي الحوارث , ولكن تجرد السلطة من صوت الضمير واغضاءها عن حل المعظلة حلاً انسانياً , جعل اليهود يتشددون في طلب النزول في الأرض , وخاصة عندما رأوا هذه السلطة المذعنة لهم تستعمل القوة في اخراج العرب من الوادي , وجل ما عرضته السلطة على العرب من حل , ترحيلهم بقضهم وقضيضهم الى ( تل الشوك ) قرب بيسان وهو مكان واقع في منطقة تختلف هواء واقليماً وأرضاً عن وادي الحوارث , وليس من الوجهة الصحية مؤاتياً للاستيطان والسكنى .
طريقة الاخراج بالقوة :
لم تزل هذه القضية تتمطى في ذلك الوقت حتى اصبحت الشغل الشاغل للرأي العام في البلاد وخارجها , وكانت نارها تظهر وتخبو فالكل مهدد في المصير حتى عزمت السلطة اخيراً على اخراج عرب وادي الحوارث من موطنهم ومساكنهم بالقوة الجبرية وحشدت لذلك المئات من الجند والسيارات العسكرية لنقل العرب الى ( تل الشوك ) قرب بيسان وهم لا يقلون عن الفي نفس وقد عينت السلطة يوم الخميس 15 حزيران 1933م موعداً لتنفيذ مرادها بالقوة , فأرسلت الى هناك المئات من قوات البوليس , وأتخذت تدابير جمة لتفتح وادي الحوارث وتأخذ اهله من رجال ونساء واطفال وشيوخاً سبياً واسارى الى ( تل الشوك ) فوصلت الى وادي الحوارث 16 سيارة كبيرة من سيارات النقل العسكري مشحونة جنداً وضباطاً مدججين بالسلاح , فوجدت خيام عرب الحوارث ليس فيها الا النساء والاطفال والشيوخ العجز , وأما الرجال خرجوا الى الضواحي والمزارع المجاورة وتفرقوا في كل جهة يرصدون بيوتهم ومنازلهم من بعيد, فذهب اليهم جماعة من الضباط ليقنعوهم بالرحيل فأبى رجال عرب الحوارث ذلك اباء شديداً , وأشتبكوا معهم بالعصي والحجارة فأصيب من الطرفين اعداد كثيرة , فأصبح هذا الوادي وادي الكوارث التي تنطوي على سابقة خطيرة في ذلك الوقت , وهي إن فلسطين صارت تدحرج دحرجة امام الوطن القومي لليهود , وما اهون دحرجتها , وزحلقتها فتنحدر كالصخر يهوي من رأس الجبل فيظل ينقلب وتتضاعف قوة انقلابه وانحداره حتى يبلغ قرارة الوادي , كله بفضل القوة العسكرية الحاكمة التي اعدتها السلطة البريطانية لاخراج عرب الحوارث من اراضيهم , ففشلت القوة في المرة الأولى فعززت بقوة أكبر من الجند والضباط والجواسيس الظاهرين والاخفياء مع السلاح والبنادق والآت الاحتلال وأحتلت الوادي , ومعها اليهود الذين كانوا على استعداد لاعمال سكة الحراثة في الارض , فخرج الرجال من ابناء قبيلة الحوارث واشتبكوا معهم فتدخل الجيش لحماية اليهود ووسط هذه الاشتباكات ايقن رجال قبيلة الحوارث بعدم التكافؤ بينهم وبين اليهود المدعومين بقوات البوليس وتفرقوا في جهات مختلفة , ثم باشرت السلطة بهدم الخيام حتى اتت عليها كلها وسط صراخ الاطفال وعويل النساء , واغماء الضعفاء , ثم جعلت تنقل هذا المتاع " المتهدم " من الخيام ومستلزمات البيت البدوي البسيطة ,بمعول الانجليز في سيارات كبيرة الى خارج حدود الارض التي سلمت لليهود , وحرثوها وبادروا الى اقامة السياج حولها بمساعدة قوات البوليس والجند الانجليز أمام مرأى من , النساء والاولاد والاطفال والعجائز من عرب الحوارث , فكان وادي القباني على بعد عدة كيلومترات من الأرض فأصبح عرب وادي الحوارث في العراء فهم يرفضون الرحيل الى تل الشوك ولا يرغبون ان يموتوا خارج الوادي كما يقولون , ولو كان في قلب هذه السلطة الاستعمارية ذرة من شفقة , لكان بوسعها ان تشتري بالخمسة والعشرين الف جنيه فلسطيني , التي تقول في تقريرها الى عصبة الأمم انها ارصدتها لشراء ( 5740 ) دونماً من الأرض قرب بيسان للحوارث , أرضاً في وادي القباني , فيبقى العرب في مناخ وأقليم الفوها قروناً , ولكن هم الانجليز , ولكن هو الاستعمار , ولكن هو الوطن القومي اليهودي كل هذا يقضي باجلاء العرب اجلاء في المستقبل لأي ارض يرغب بها اليهود وتحت اي ذرائع ونكبة وادي الحوارث لم يروي التاريخ لها مثيلاً, وفي خضم تلك الأحداث والأشتباكات بين عرب الحوارث وقوات الجند والبوليس المدججة بالسلاح فتم اعتقال الشيخ اسماعيل العوفي شيخ مشايخ عرب الحوارث بتهمة التحريض وعدم تنفيذ قرار المحكمة والعصيان وافرج عنه بكفالة بعد أيام , وقد حمل البوليس بالقوة في السيارات العسكرية بعض من الاهالي لأبعادهم عن الوادي فتم تحميل اثاث منازل احمد العبد المطيري ومصطفى حسن العطار وعلي محمد الشيخ علي من عربان الحوارث, وكان الجند وقتئذ اخذوا في هدم الخيام , فامتلأ الوادي بالعويل والصياح واصوات الاستغاثة , ومنعت القوة المحيطة بجوانب الوادي الناس من الاقتراب مما ادى لوقوع الاضطرابات في جميع انحاء فلسطين .
الترابين في قضاء بئر السبع وتبرعهم بأرض لايواء عرب الحوارث :
في سنة 1933م عندما حدثت مشكلة عرب وادي الحوارث في قضاء طولكرم وتم طرد السكان الأصليين من اراضيهم واستيلاء اليهود عليها بحجج واهية ورغم التقاضي لسنين طويلة في المحاكم التي لم تنصف عرب الحوارث الا بالتعويض عن مزروعاتهم , ومناشدات شيخهم اسماعيل العوفي لملوك ورؤساء البلاد العربية والإسلامية والزعمات الوطنية في البلاد , لانقاذ افراد قبيلته من التشرد والضياع واهتمام الرأي العام اهتماماً شديداً في فلسطين والدول العربية بأوضاعهم , قامت عشائر قبيلة الترابين رغم الحالة الإقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد بتقديم المساعدات العينية كالشعير والقمح وخلافه ومبالغ نقدية لأنقاذ أطفال وشيوخ ونساء عرب الحوارث, فوجه عربان عشيرة أبو ستة الترابين بواسطة الشيخ عبد الرزاق حماد أبو سته رئيس جمعية البدو العربية نداء الى شيخ مشايخ عربان وادي الحوارث الشيخ اسماعيل العوفي بالنزوح اليهم هو وعربانه الى قضاء بئر السبع فيحلوا في أرض لهم تبلغ مساحتها 20 ألف دونم بلا مقابل لأن عربان أبو ستة بغنى عن هذه الأراضي وهم لا يستفيدون منها شيئاً , فضربت عشائر القبيلة أروع الأمثلة في اغاثة الملهوف وانعاش المكروب وإعانة أهل الحاجات وهو سلوك اسلامي أصيل , فشكر عربان الحوارث هذا الكرم الأصيل من عشيرة أبو ستة الترابين وفضلوا شراء أرض في وادي القباني , وقام الوجيه يوسف افندي عاشور والسيد سعيد الخليل والدكتور نصوح النابلسي يرافقهم السيد سليم بك عبد الرحمن بزيارة وادي الحوارث وتوزيع 40 قنطاراً من الحبوب المختلفة لاعانتهم حين استأجر فريق من شيوخ عرب الحوارث قطعة كبيرة من اراضي وادي القباني لفلاحتها وزراعتها وقد بذل بعض الوطنيين جهوداً كبيرة لتأمين استئجار هذه الاراضي وباشر عرب الحوارث بزرع الأرض وفلاحتها .
السابقة الخطيرة ونتائجها :
وكانت هذه سابقة خطيرة في الاستعمار البريطاني اليهودي في فلسطين لم يستوعبها كثير من اهالي فلسطين , وخطرها لا يقتصر على ان السلطة تغرس اقدام اليهود , وترسخها في خمسين الف دونم من الأرض في الساحل الخصب الفسيح الذي امتلك اليهود الى اليوم معظمه ومعظم فلسطين , بل ما تتخذه السلطة نفسها من العمل مبرراً ومشجعاً لها في تكراره في احوال اخرى , كلما واجهت مشكلة من هذا النوع وشبهه عمدت الى الاجلاء والاخراج بالقوة بطرق لا تحفظ حق العرب , ووجه آخر لهذه السابقه , هو ما يجده اليهود هم الآخرون من المغريات في هذا العمل فيحملهم ذلك على زيادة التغطرس والزهو والخيلاء فاليهود ورثوا كل ذلك من حكومة الانتداب ويطبق الآن في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة كل ذلك جعل العرب سكان البلاد الاصليين هائمين على وجوههم كالسائمة , فاخذت اراضيهم وحرثت قبور آبائهم واجدادهم , ومشت سكة اليهود في منازلهم وبيوتهم وراحوا مشردين على وجه الارض ولذلك نقول : قضية عرب الحوارث وغيرها من القضايا هي جريمة حرب ومن اكبر الجرائم التي ارتكبتها السلطة البريطانية المنتدبة بحق الفلسطينيين بعد حوادث صرفند الخراب أول الاحتلال وهو اسلوب انتهجته لتذل به رقاب العرب , من هيئات وزعماء واحزاب في ذلك الوقت الذين كانوا حسب الاهداف المرسومة من سلطة الانتداب لا تساوي قشة في عين هذه السلطة , هذه الخاتمة كشفت العوار أتم كشف عن هزال معتقد البعض في ذلك الوقت وتصديقهم الوعود التي قطعتها بريطانيا للعرب في الاستقلال والحرية والوحدة نكتفي بهذا القدر وفي كتابنا سنأتي على وصف الكيفية التي نفذت بها السلطة المنتدبة خطتها لتسليم البلاد للصهاينة من اقصاها الى اقصاها .
( اسماعيل بن عياد الترباني المعلومات كاملة سنقوم بنشرها في كتابنا )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق