شعراء قبيلة الترابين والإلمام بعلم النجوم - هنا الترابين

عاجل

مدونة تهتم بتراث وعادات وتقاليد قبيلة الترابين

السبت، 23 سبتمبر 2017

شعراء قبيلة الترابين والإلمام بعلم النجوم


قال تعالى في محكم تنزيله : { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } سورة الأنعام الآية 97 { وجعلنا الليل والنهار آيتين , فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب } سورة الإسراء الآية 12 هاتان الآيتان من القرآن الكريم خطاب للعرب أساساً , فهم الذين تلقوا القرآن قبل كل الناس , وبطبيعة الحال لا يخاطبهم القرآن بأمر يجهلونه , ولا يذكرهم بنعمة لا يقدرونها حق قدرها . السماء لساكني الصحراء هي سقف بيتهم , ولا يجهل الإنسان سقف بيته , وقد كان البدو بالفعل على درجة كبيرة جداً من العلم بالسماء , بنجومها ومطالعها ومغاربها , وما يقترن بها من الأمطار والطقس . وهذه مادة حياتهم وقوام معاشهم , لانها اساس الزراعة والنبات والرعي وانتاج الحيوانات , فقد ورد في اشعار شعراء قبيلة الترابين واسجاعهم وحكاياتهم الكثيرعن علم النجوم . فالنجوم كانت حياة البدوي وسالك الصحراء والبحر , حيث لا معالم ولا علامات في الغالب , فإذا فقد سالك هذين دليله , فقد حياته .وقد حرص كثير من شعرائنا على تدوين ملاحظاتهم هذه في اشعارهم واسجاعهم على هيئة تعليمات يسهل تلقيها وحفظها , . إعتمد بدو شبه جزيرة سيناء وصحراء النقب على الأجرام السماوية في كثير من الأمور شأنهم شأن أسلافهم البدو في شبه الجزيرة العربية , ذلك لأن النجوم ضرورية للبدوي لشق طريقه في الصحراء الشاسعة المقفرة الخالية تقريباًمن المعالم ,كما كانت ضرورية للبحار للاهتداء بها في البحر الواسع , اضافة الى انهم كانوا بأمس الحاجة الى علامات ثابتة لتمييز فصول السنة حتى يتسنى لهم تنظيم نشاطاتهم الاقتصادية السنوية من زراعة ورعي , وقد اعتمدوا في أول على التقويم الاسلامي , ولكن شهور هذا التقويم ليست ثابتة , فهي تتناوب بين فصول السنة , فتارة تحل في الشتاء وتارة في الربيع أو الصيف أو الخريف , ولهذا فضلوا الإتجاه الى ملاحظة أوضاع النجوم لتحديد الفصول بطريقة أكثر دقة , وقد ادى انشغالهم الدائم بمراقبتها الى اكتشافات مهمة اخرى خاصة في تفسير الكوارث الطبيعية التي كانت تهددهم دائماً . في سيناء والنقب فقوام حياتهم الرعي قديماً الرعي الذي يعتمد بدوره  الأمطار التي تساعد على ان  تخضر الأرض , وينبت العشب الناضر الذي تقبل عليه الحيوانات بشوق بعد نظام تقشفي إجباري إقتصر على النباتات الجافة في الصيف والخريف , كما أن هذه الأعشاب والشجيرات غنية بالسوائل التي تروي الظمأ وتسد حاجة الحيوان للماء , وهذا في حد ذاته عظيم النفع للبدوي الذي يفضل ادخار الماء في الآبار للأشهر الحارة الجافة المقبلةففي ضوء السمعة العريضة لعلم الفلك العربي الاسلامي القديم وازدهاره في العصور الوسطى , واسهامات العرب في هذا العلم فقد ذكر المستشرق ( كارلو نالّينو ) الذي يقول في كتابه الشهير : " علم الفلك : تاريخه عند العرب في العصور الوسطى " واجمال ما بينه من معارف العرب القدماء بالنجوم والسماء انهم قد عرفوا عدداً وافراً من الكواكب الثابتة مع مواضع مطالعها ومغاربها وذهبوا في جعلها اشكالاً أو صوراً مذهباً يختلف عن طرائق الأمم الاخرى ثم انهم عرفوا الكواكب السيارة ومنازل القمر وأنفردوا عن سائر الشعوب في استعمال تلك المنازل وأخذ أنوائها . وذكر اغناطيوس كراتشكوفسكي في كتابه : " تاريخ الأدب الجغرافي " بقوله لم تقف معرفة البدو عند القمر وحده بل عرفوا جيداً الكواكب التي احتلت المكانة الأولى بينها الزهرة ( venus ) وعطارد ( mercury ) , أما فيما يتعلق بالنجوم فقد عرفوا منها ما لا يقل عن مائتين وخمسين نجماً في تسميتها العربية الخالصة , جمعها بعناية فائقة في القرن العاشر الفلكي عبد الرحمن الصوفي ( ت عام 376-976 ) وتخلو نجوم الست ( azimuth stars ) لديهم من أي تأثير يوناني , إذ ان التأثير اليوناني لم يعدل في المصطلحات الفلكية العربية الا ابتداء من القرن التاسع .ومع مرور الزمن تخلى الكثير من البدو عن النجوم وتحولوا الى التقاويم الشمسية سواء منها الغريغورية او العربية مما قلل الحاجة اليها شيئاً فشيئاً حتى اندثرت معرفتها تقريباً , وتكاد هذه المعرفة في بداية القرن الحالي تقتصر على جيل المسنين الذين يتناقصون بالتدريج , وحتى هؤلاء لم تعد ذواكرهم تحفظ سوى متفرقات من هنا وهناك .ولا يزال كثير من البدو في وقتنا الحاضر يعرفون جيداً الجدي وسهيل , وهما نجمان مشهوران يشير اولهما الى الشمال والثاني الى الجنوب وعلى سبيل المثال : نظم احدهم شعراً يشير الى سفره باتجاه الجنوب الشرقي فقال : " أحط الجدي على ورك المطية .. وأذري نحرها عن سهيل اليماني " ويقصد انه يحول نحر مطيته عن سهيل اليماني في حين تنعكس أنوار الجدي على وركها وهو كناية عن اتجاهه الى الجنوب الشرقي " ويعرف البدو كذلك ان الجدي مشرق في سماء الليل طوال السنة , بينما يغرب سهيل عن البصر من شهر مايو حتى اكتوبر , وقد ضربت الأمثال بثبات الجدي " فلان زي الجدي " أي انه لا يغيب عمن يحتاج اليه ولا يخذله , وبهذا المعنى عبر الشعراء أيضاً عنه كما في البيت التالي الذي سجله موسل وهو يصف البطل الصامد في ميدان المعركة : " غاب النجم والسهيل , والجدي ما غاب .. فارس على كل الجزيرة غطاها " واذا كان الجدي رمزاً للثبات فإن سهيلاً على النقيض منه تماماً , فقد لاحظ البدوي انه اذا اشرق سهيل في السماء فانه يظهر قريباً جداً من الأفق الجنوبي ولا يمتد بقاؤه أكثر من ساعتين تقريباً , وهو بتقهقره وسرعة اختفائه يخيل للرائي كالمتردد بين البقاء والرحيل , ولذلك عندما يصف البدوي شخصاً متردداً فهو يشبهه بسهيل كما في المثل السائر : " فلان زي نجم السهيل .. يطلع ويعاود عالذيل " ويضرب للشخص الذي يظهر ويختفي بسرعة " وكذلك يذكر سهيل الرائي في اطلاله وهربه السريع بالشخص الذي يحاول الفرار او الاختباء , وقد انتقل هذا التشبه الى مثل يعبر عن موقف يتهم فيه شخص بريء بجريمة قتل لم يرتكبها فيضطر الى الفرار في حين يهنأ المجرم الحقيقي بحريته , والمجرم في هذا المثل هو الجدي والمتهم الهارب هو سهيل : " اللي قتل , الجدي .. والتهيم سهيل " ويضرب للمتهم بجريمة غيره . وعود على بدء لما دونه شعراء قبيلة الترابين في الأنواء ... قال الشاعر عنيز أبو سالم الترباني ( من الحسابلة )
ونصبر لما يصير عشب الشفا كوم ... وتربع الجقمة على نو داير
النو هنا بمعنى ( فصل ) وغالباً ما يذكر النوء دون أن يلحق بأسم فصل معين , وفي هذه الحالة يدل على فصل الربيع ونجد هذه المعلومة واضحة في هذا البيت , فالشاعر عنيز رحمه الله توعد فيه شخصاً أساء إليه وقد وضح إنه سيصبر على اساءته حتى يسترد قوته كما تسترد الجقمة ( الناقة ) الهزيلة قوتها مع عودة نو الربيع , فقد قسم القدماء السنة الى 28 قسماً كل واحد منها مربوط بطلوع نجم معين , ويسمى ( النو ) أو النوء { أنظر معنى النوء في الأنواء لأبن قتيبة ص6 }. 
البرق : وهو أحد الظواهر الطبيعية التي عرفها الإنسان منذ القدم , والتي ارتبطت لديه بالعديد من المعتقدات المختلفة لتفسيرها , وقد ذكر البرق شاعرنا عنيز في هذه الأبيات الشعرية الغاية في الروعة حيث قال : 
برقٍ بدا مزنه وخلته علي وين ... وقامن عيوني يسهرن عقب شوفه
شوفته تقزلأ علي بلاد الترابين ....واقول انا العجمه تتنوش اطروفه


________________________________________________________________
  المراجع : عشائر الشام لوصفي زكريا , ومعجم قبائل العرب رضا كحالة , وتاريخ سيناء لنعوم بك شقير , القبائل العربية في مصر لعبد الله خورشيد , وسيناء ارض القمر لرفعت الجوهري , كلنتن بلي وغيرها من المراجع .
نكتفي بنشر هذا الجزء من البحث الذي سوف نرفقه في كتابنا كاملاً / الباحث اسماعيل بن عياد الترباني










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق