الترابين في الوثائق الفرنسية وتجارة البحر الأحمر وكرم الضيافة 1799م الجزء الأول - هنا الترابين

عاجل

مدونة تهتم بتراث وعادات وتقاليد قبيلة الترابين

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2016

الترابين في الوثائق الفرنسية وتجارة البحر الأحمر وكرم الضيافة 1799م الجزء الأول


ذكر دي بوار إيميه من علماء الحملة الفرنسية في عام 1799م : استقرت بعض هذه القبائل الرحالة منذ وقت طويل في مصر , وظلت على الدوام في حالة سلم مع الحكومات , بل تقدم لها  المساعدات , ولا يمكن لأحد ان يوجه الى سلوكها لوماً , فهو في مجموعه سلوك طيب لا يتعارض مع مصالحهم ويمكن ان نورد امثلة على ذلك في قبائل الترابين , والحويطات وبلي .. وهؤلاء يقومون بكل قوافل السويس , وسوريا , ولولاهم لكانت تجارة البحر الأحمر عن طريق السويس بالغة المشقة . وقد  ذكر كرم الضيافة عند الترابين وقال : في وجبة اكرام الضيف يقدم في العادة خروف بأكمله , وقد تناولت العشاء ذات يوم مع بعض البدو " الترابين " , ولقد استخدم هؤلاء لحثي على الطعام وسائل قد لا تقع موقع الإستنكار من اكثرنا تأدباً نحن الأوروبيين وهانذا أقص هذه الحكاية التي سوف تسهم في تعريفنا بمضيفي من زوايا عدة : كنت مكلفاً اثناء شتاء العام 1799م بعبور وادي التيه , الذي لم يكن قد سبق لأي من جنودنا أن اجتازه من قبل ورحلت من القاهرة مع سرية تتكون من خمسة وعشرين رجلاً من المشاة , وكان مع كل جندي من الخبز ما يكفيه لمدة اربعة ايام , وكان معنا جملان يحملان المياه التي قدرنا اننا سنحتاج اليها , وعندما وصلنا عند غروب الشمس قرب مدخل الوادي , على مشارف الارض المنزرعة , قررت ان نمضي الليل في هذا المكان , وتمدد الجنود على الرمال , وبينما هم يأكلون خبزهم , مغموساً في قليل من الماء , كان خيالهم الذي استثاره اسم الوادي , قد جعلهم يتخيلون الآف المخاطر الخرافية وأردت ان اتبين بتوجهي الى اقرب قرية كنا غير بعيدين عنها , ما ان كان بمقدوري أن اتزود من هناك بمرشد يدلنا على الطريق : أخذت بندقيتي وسرت وحيداً , ولكن سرعان ما دفعتني الرغبة في التعرف على مدخل الوادي الى القيام بدورة كبيرة , ابتعدت معها دون ادراك مني عن سريتي , وما ان تسلقت بعض التلال التي حجبتني عن الأنظار , حتى وجدت نفسي فجأة امام مخيم عربي : فكرت في الانسحاب لكنني تبينت ان بعض البدو من راكبي الخيول قد قطعوا علي كل خط رجعة , فقررت ان اجعلهم يدفعون ثمن حياتي غالياً , كنت مسلحاً بشكل جيد , اذ كان معي بخلاف بندقيتي المحشوة , مسدسان ممتازان , لكنني اردت في نفس الوقت ان اجرب , وانا رجل جريء وصاحب حيلة , ما ان كنت بمستطيع ان اتفادى معركة غير متكافئة لحد كبير , فاعطيت اشارة للعربان الذين كانوا يحدقون في أن يقتربوا مني , وتوجهت في نفس الوقت اليهم , بادي الثقة وما ان اصبحت على مسافة تكفي كي يسمعوا خلالها صوتي , حتى طلبت اليهم ان يصحبوني الى شيخ قبيلتهم لاتحدث اليه , بدأ عليهم الدهشة , وتبادلوا النظرات فيما بينهم , فأشاروا الي ان اتبعهم , وسرعان ما اصبحنا في داخل المخيم , ونبحت الكلاب عند اقترابنا , كنت ارى هنا وهناك عديداً من الخيول المسرجة , مربوطة بالقرب من الخيام , ولاحظت في دهشة ان النسوة كن يغطين وجوههن بعناية , توقفنا امام خيمة الشيخ التي لم تكن تختلف في كثير عن بقية الخيام الا في كونها اكثر اتساعاً , دخلت في شيء من التوجس , فوجدت الشيخ ومعه اثنان من العربان , وهم منهمكون جميعاً في التدخين وشرب اللبن , كانوا جالسين على الأرض حول قليل من النار استقر فوقها الغلاي , وكان دخان هذا الموقد , وكذلك دخان النارجيلات , بالاضافة الى السحنة الجادة والمهيبة لهؤلاء الرجال الثلاثة , وكذا المسدسات والخناجر التي كانوا يتسلحون بها .. كان كل هذا يتطابق مع الفكرة التي كانت لدينا عن مغارات اللصوص ... القيت عليهم بتحية الاسلام : السلام عليكم , فردوا السلام دون ان يخرجوا عما في ايديهم , ثم اضافوا وهم يقدمون الي قدحاً من القهوة " اجلس واشرب " استجبت على الفور , فقد كنت اعرف انه نوع من الحماية لك ان تشرب وتأكل معهم , وقلت للشيخ : " عرفت انك تعسكر هنا فتركت قافلتي على مسافة واتيت وحدي بثقة , طالباً اليك دليلاً ليقودني حتى البحر الأحمر عن طريق وادي التيه , ويمكنك ان تثق بأنه سينال اجراً طيباً " واضفت : " ليست معي الآن نقود لكنني سأدفع اليه مقدماً نصف الأجر الذي سنتفق عليه ما ان اعود الى سريتي " , فأجابني " ستحصل على دليل فأنا في سلم مع الفرنسيين " وأخبرني أن الفرنسيين قد تركوا له اراضي وقرية البساتين التي كان يعسكر بالقرب منها وان قبيلته هي ( قبيلة الترابين ) استأذنت في الانصراف , بعد ان تيقنت ان دليلاً سيأتي في الغد ليلحق بي في المكان الذي اوضحته لهم , وعدت الى معسكري مغتبطاً انني قد توصلت الى هذه النتيجة السارة , وعندما عدت الى القاهرة , بعد ذلك بشهر , فقصصت مغامرتي على كثير من زملائي .. واتفقنا معاً على تنظيم رحلة لرؤية هذا المخيم وفي يوم الرحلة و كنا اثنى عشر رجلاً جيدي التسليح , نركب جياداً ممتازة , ويسبقنا سياسنا ( خدم مصريون ) الذين كانوا حسب عادة اهل البلاد يجرون على اقدامهم , وبأيديهم عصا طويلة ,سرت وحدي في المقدمة كي انزع كل شك من ( الترابين ) حول مشروع زيارتنا وعلى الفور تعرفوا علي , وعندما وصل زملائي بعد ذلك بقليل لقوا ترحيباً طيباً وبعد ان استرحنا وتجولنا حول المخيم , وشربنا معهم بعض اقداح البن , شرعنا في الرحيل على الرغم من الحاح كبار القبيلة الذين ارادوا استبقاءنا كي نشاركهم الطعام من الخروف الذي ذبحوه عند وصولنا , لكننا , بتصنعنا الاوروبي , شكرناهم مدعين ان لدينا اعمالاً لا تمكننا ان نبقى لاكثر من ذلك , ولاحظت انهم لم يستريحوا لرفضنا , ومع ذلك , فبعد ان تبادلوا بعض الكلمات فيما بينهم بصوت خفيض , استعادوا ملمحهم البشوش الذي كان لهم حتى ذلك الوقت , وقال لنا الشيخ وهو يمتطي حصانه مع بعض العربان , انه ذاهب معنا ليدلنا على طريق افضل من ذلك الذي نعرفه , وما ان خرجنا من المخيم حتى افتعل مناوشة , وقضينا نحن بعض الوقت في ملاحظة المهارة التي يوجهون بها خيولهم ويتقاذفون بها الجريد ( عصا يبلغ طولها 4-5 أقدام وتستخدم كرمح ويفضلون عادة الفروع الخضراء من النخيل لانها ثقيلة ويستطيع الرجل ان يقضفها لتصل لمسافة ابعد من 50 قدماً اما اذا كان ممتطياً حصانه فيقذفها لمسافة بعيده جداً ومن لم يستطع تفاديها ربما قتلته ) كنت قد شاهدت هذا الأمر مرات عديدة , وحيث انني شغوف بهذا النوع من الالعاب , فأنني لم استطع ان امنع نفسي من المشاركة فيها , فدخلت بينهم واستمر اللعب طيلة مسيرتنا .. وفي النهاية وصلنا الى شواطيء النيل , حيث غابة صغيرة من النخيل , وهناك فوجئنا بوجود وجبة معدة ببذخ على حصير مبسوطة على الارض , فقال الشيخ :  " ها نحن نجد وجبة في طريقنا دون ان نضيع عليكم مزيداً من الوقت " فترجلنا وبدأنا فرنسيين وعرباً ونحن جالسين على الارض نأكل بشهية طيبة .. كان ثمة لبن في آنية كبيرة ودجاج وجبن ابيض وعسل وبعض الفطائر وخبز ووسط كل ذلك خروف كامل بأكمله فوق تل من الأرز وبدون شوك ولا ملاعق وبأستخدام ايدينا مثل العربان , كنا ننزع قطع اللحم وناكل كيفما اتفق من نفس الاطباق , واذا كان قد سبق لنا ان تندرنا على عدم مهارة العرب في استخدام الشوكة في طعامهم فقد كان بامكانهم في ذلك اليوم ان يتندروا من الطريقة التي كنا نقلدهم بها ,وحين ينتهي احدهم من الاكل كان يقول " الحمد لله " وعندما نهضنا جميعاً اتخذ خدمنا وكذلك خدم العرب اماكنهم , وقال الشيخ بصوت عال حسب عادتهم تقدموا وكلوا وعندئذ اتخذ بعض الفقراء من الفلاحين الذين جذبهم الجوع او الفضول اماكنهم حول الحصير ولاحظت ان اقل شيء يشبعهم وانهم يفسحون اماكنهم لاخرين وسرعان ما اختفى كل شيء ركبنا جيادنا من جديد مع البدو ( الترابين ) وتفرقنا كاصدقاء قدامى بعد ان تبادلنا التحية العربية علامة على المودة , وهي عبارة عن التلامس عدة مرات باليد اليمنى ووضعها عدة مرات فوق الصدر مع قول : خذ بالك من نفسك و حماك الله وهي مجاملة لا يمل المرء مطلقاً من ترديدها . منذ ذلك اليوم وانا اعود على الدوام لرؤية الترابين ولقد اخذت عنهم الأفكار التي ادونها اليوم .نحتفظ بالمصادر والوثائق ( اسماعيل بن عياد الترباني ).







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق