[ توثيق حياة الترابين مع الإبل وتتبع قوافلهم وتجاراتهم عبرالعصور ] :
للإبل تاريخٌ عريقٌ عند العرب ، لأنها تاريخه وقوّته وعزّته, يتنقل على ظهورها ويقتات حليبها ولحومها، ويكتسي من وبرها وجلودها طيلة عقود مضت في أرجاء الوطن العربي. ويعد رمزاً للتراث البدوي وآلة الحرب وعلى ظهورها خرج الإسلام الى العالم منذ 1400 عام وله في اللغة العربية أكثر من أربعين اسماً حسب أنواعه وأطوار حياته . فقد ذكر الجزيري في كتابه الدرر الفرائد ص114ج2 الترابين في القرن السادس عشر وإن لهم ربع الغفارة في درب الحاج . ويختصون بثمد الحصى والفيحاء ووادي العراقيب وآبار العلالي نزولاً وطرقاً على الرغم من وجود العدد الضخم من القبائل العربية في ذلك الوقت , فكانوا ذات شوكة ونفوذ في شبه جزيرة سيناء . والجنوب الفلسطيني , وكان لهم أيضاً " غفرة " (1) تدفع سنوياً كأجرة لحراسة دير سانت كاترين وتأمين الحجاج المارين بأراضي القبيلة القادمين للسويس من افريقيا وبعض البلدان الاوروبية وايصالهم للدير وتأمين وسيلة النقل اللازمة . , (2) وهناك طريق آخر للحج المسيحي للقادمين من الشام لفلسطين عن طريق النقب لزيارة القدس ذكره الأنبا بولس اليسوعي في عام 1721م في مخطوطته المحفوظة في مكتبة القدس تحت رقم 48/3 اثناء رحلته من سوريا مروراً بالنقب في الجنوب الفلسطيني ومن ثم زيارته لدير سانت كاترين , وذكرفي المخطوطة ترابين النقب وترابين التيه في هذه الطريق القديمة التي كانت تربط الشام بالنقب الفلسطيني بإتجاه جبل الطور في جنوب سيناء ,وهي الطريق المتبعة والمعتمدة للحجاج المسيحيين فهي الأئمن والأقرب , وهذه الطريق تسلكها قوافل الترابين وقد ذكر تلك الطريق أيضاً المستشرق لويس موسل في رحلته من سوريا مروراً بالنقب في الجنوب الفلسطيني سنة 1898م حين استعان بجمال الترابين وذكر في رحلته الوحيدات وحسنات أبو معيلق . وذكر سلالات الإبل عند الترابين بقوله : " حافظ الترابين على نقاء سلالات الإبل الأصيلة , ومن اشهر مسميات السلالات لديهم . زريقان , واوضيحان , والسعدي , والسمحاني وهي من ابل الشرارات والمشهورة بسرعتها وجميع هذه السلالات تستخدم للإنتاج والتربية . وهناك صنف آخر يطلق عليه " العبادي " يأتي بها من السودان تستخدم للاحمال والحراثة. وفي شمال ( سيناء ) قديماً كان منوط بالترابين خفارة الدرب المصري وهي طريق تجارية محضة تربط مصر بسوريا عن طريق المقضبة وهي تنشأ من غزة وخانيونس وتذهب جنوباً للغرب مارة بنقع شبانة فصنع المنيعي فحجر السواركة فالجورة تحدها من الغرب والعجرة من الشرق فالبرث وعجار السمن تحدها من الجنوب فالبواطي فمقطع الوادي الأبيض فالمقضبة في وادي العريش .وقد أكد الدكتور سامي صالح عبد المالك الباحث في الآثار السيناوية إن آخر دراسة قام بها فريق العمل المصري للاثار أكدت ان درب الحج القديم بسيناء كان يسير من منطقة تسمى " أبيار العلالي " وحسب الدراسة كانت تستخدم لسقي الحجيج وان قبيلة الترابين كانوا هم المخولين بحماية الحجيج على طول صحراء سيناء , وبعد فترة من الزمن ساهمت شجرة الدر في تطويره . حيث كانت تصنع كسوة الكعبة بمصر وتخرج قبل الحجيج بشهرين في طلعة تسمى " طلعة المحمل " ويضيف الباحث في الآثار ان هذا الطريق لم يقتصر على الحجيج فقط , فقد كان طريقاً رئيسياً للبريد , فكما ذكر الرحالة المعروف بابن العطار ان طريق البريد من مصر الى القدس يشتمل على ثلاثين بريداً . فأمتلك الترابين قطعاناً كبيرة من الإبل استخدمت لرفد قوافل الحجيج منذ مئات السنين (3) وقبل وصول الحملة الفرنسية إلى السويس سنة 1778م كان يرد سنوياً على هذا الثغر من 2000 فرد من البن إلى ثلاثين ألفاً زنة كل فرد منها ثلاثة قناطير وثلث قنطار , وزنة القنطار الواحد مائة رطل وخمسة أرطال . , وقبل تلك الحملة سنة 1758م كان مقدار الوارد من البضائع على يد قافلة الحجاج يتجاوز مقدار كمية الوارد منها على ثغر السويس , وكان هناك إنتشار عظيم من القبائل التي تعيث فساداً في البلاد وتقطع الطريق التي لا مناص لقافلة الحجاج من اتباعها , ولا سيما في العهد الأخير . اضطرت هؤلاء الى تفضيل طريق البحر على طريق البر , وعلى كل حال فقيمة ما يحمله الحجاج من بضائع الحجاز سنويا تبلغ 250000 قرش إسباني إلى 300000 قرش إسباني وهذه البضائع معفاة من الفرض والرسوم , وهذة الكمية الضخمة كانت بحاجة لأعداد كبيرة جداً من الإبل لنقلها , فكان للترابين قوافل ضخمة تخوض عباب الصحاري والوديان لنقل البضائع , وكان لهم الحق في نقل تلك البضائع التي كانت ترد بحراً على ثغر السويس إلى القاهرة ولهم خط سير وطريق غير طريق القبائل الاخرى كـ عربان الحويطات وعربان الطور . فـ عربان الترابين ينزلون في ضواحي مصر العتيقة كـ البساتين وما حولها , ولهم نجوع ومخيمات عند مضائق وادي التيه , فالجمل الواحد يحمل عادة من خمسة قناطير من البن إلى ستة فيما بين السويس والقاهرة وتبلغ أجرته 90 مدنياً.كان ذلك في العام 1763م (4) استقرت بعض هذه القبائل الرحالة منذ وقت طويل في مصر , وظلت على الدوام في حالة سلم مع الحكومات , بل تقدم لها المساعدات , ولا يمكن لأحد ان يوجه الى سلوكها لوماً , فهو في مجموعه سلوك طيب لا يتعارض مع مصالحهم ويمكن ان نورد امثلة على ذلك في قبائل الترابين , والحويطات .. وهؤلاء يقومون بكل قوافل السويس , وسوريا , ولولاهم لكانت تجارة البحر الأحمر عن طريق السويس بالغة المشقة.(5) , وذكر المستشرق والشاعر الانجليزي تشارلز مونتاغو داوتي في كتابه ترحال في صحراء الجزيرة العربية سنة 1876م حين دون مشاهداته عن حياة البدو فقال : " إن البدو الترابين terabin والبدو الحويطات الذين جاءوا من صحراء ساحل البحر المتوسط أسفل غزة ومن عادة هؤلاء العودة الى صحراء الجزيرة العربية في فصل الربيع وهم أصلاً من تجار الأبل بين الأعراب , وهم لا يشترون سوى أفضل الدواب والماشية ويعرضون أسعار مرتفعة , وكان هؤلاء يدفعون في الجمل القوي المتين ثمناً يصل الى حوالي خمسين ريالاً والباقي على شكل قماش من البفتة البيضاء يتم جلبه معهم من سوريا ويبيعونه هنا بسعر قرية تيماء , ولا يكسبون نتيجة تعبهم ومشقتهم عن الربع ويتنقلون طوال العام في كل الأجزاء المرتفعة من الجزيرة العربية كي يشتروا الإبل لحساب الدول المجاورة . قلت : الترابين والحويطات كانوا يشترون تلك الإبل ليتم استخدامها في النقل في ميناء السويس ولحساب المناطق المجاورة كسوريا والعراق وشرق الأردن , وجاء في كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار لمؤلفه عبد الرحمن الحبرتي الحنفي ما ذكره : " اثناء حملة نابليون بونابرت على الشام كثر الإهتمام والحركة بسفر الفرنسيس الى جهة الشام وطلبوا وهيئوا جملة من الهجن وأحضروا جمال عرب الترابين ليحملوا عليها الذخيرة والدقيق والعليق والبقسماط . قلت : سرق الفرنسيس جمال الترابين الموسومة الكثيرة المنتشرة في الصحاري والموانيء وفي ضواحي القاهرة والمعدة لنقل البضائع من السويس للقاهرة ومن السويس لغزة وحبرون ( الخليل ) وهي من الإبل القوية الخاصة بنقل البضائع , وقد انقض الترابين على جنود نابليون اثناء رجوعهم في منطقة خانيونس وتم إرجاع الإبل الموسومة المنهوبة وقتلوا كثيراً من الجند وقد غنموا كثيراً من المدافع والعتاد . تمتلك قبيلة الترابين قطعاناً كبيرة من اللإبل تستخدم في الحراثة وفي النقل , وهم يمارسون الأعمال الزراعية كزراعة الحبوب كالقمح والشعير ويمتلكون اراضي خصبة شاسعة في الجنوب الفلسطيني تقدر بأكثر من 2 مليون دونم . , وفي القرن التاسع عشر احتكر الترابين وبعض العربان نقل الحبوب من قمح وشعير وذرة من الجنوب الفلسطيني وبعض المدن الفلسطينية على ظهور الجمال لإيصالها لميناء غزة ليتم شحنها فيما بعد للمراكب , وفي الربع الأول من القرن التاسع عشر قاموا بالمساهمة في نقل معظم المنتوجات الفلسطينية كـ البرتقال اليافاوي وزيت الزيتون والصابون النابلسي وغيرها من المنتوجات الزراعية التي كانت تصدر لاوروبا خلال فترة الإحتلال البريطاني لفلسطين . ( اسماعيل بن عياد )
المصادر والمراجع :
(1) : الغفارة : نظام كان متبع قديماً تدفع بموجبه القبيلة الضعيفة للقبيلة القوية مبلغاً من المال مقابل الحماية .(2) : ( المستر رابينو قنصل انجلترا العام في مصر في كتابه دير سانت كاترين )
(3) ( صحيفة الاهرام اليومي الباحث احمد سليم )
(4) : (. من كتاب الرحلة الى افريقيا الشرقية )
(5) : دي بوار إيميه من علماء الحملة الفرنسية في عام 1799م
(6) : الدرر الفرائد / الجزيري
(7) : الجبرتي / عجائب الآثار في التراجم والأخبار
(8) : تشارلز مونتاغو / ترحال في صحراء الجزيرة العربية
(9) : مخطوط الأنبا بطرس اليسوعي
(10): لويس موسل
(11): الوثائق الانجليزية
(12) : وثائق دير سانت كاترين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق