دير سانت كاترين - طور سيناء
الوثائق تعتبر مصدراً مهماً في كتابة التاريخ فلا يمكن قراءة التاريخ قراءة موضوعية من دون الرجوع الى الوثائق فهي من اهم المصادر التي يستند اليها المؤرخ والباحث حين الكتابة عن التاريخ وكما قيل : (لا تاريخ دون وثائق ) لطور سيناء شأن كبير في تاريخ العالم الديني وكان الطريق الذي يربط فلسطين بمصر يخترق الجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء , وكان طريقاً هاماً للحجيج النصارى من بلاد الشام , الذين يقصدون الدير بعد زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين , وكان لقبيلة الترابين مقاماً حربياً عظيماً في ذلك الزمان فأستعان الرهبان بهم لـ حراسة الحجيج القادم من الشام للدير لتواصل وامتداد اراضي القبيلة فيما بين الجنوب الفلسطيني ( النقب ) وغزة بشمال وجنوب سيناء وكان الدير في ذلك الوقت تابع لكنيسة بيت المقدس , وقد وثق الرهبان تلك الإتفاقيات كتدوين رسمي ينظم العلاقة بين الطرفين وهي كالتالي : حراسة الترابين والحفاظ على ارواح الحجيج والسماح لهم بالمرور في اراضيهم وحمايتهم وايصالهم لوجهتهم مقابل ان يقوم الرهبان بدفع ( الغفرة ) (1) أي أجرة الحراسة وكانت تدفع بالذهب والفضة بالإضافة للكسوة وفي تلك الوثائق اقدم ذكر للترابين ووحيدات الترابين 1613م وقد ذكر الابنا بولس اليسوعي في عام 1721م في مخطوطته المحفوظة في مكتبة القدس تحت رقم 3/48 اثناء رحلته من سوريا مروراً بالنقب في الجنوب الفلسطيني وذكره عشائر قبيلة الترابين في النقب وعشائر ترابين التيه ( سيناء ) وهذه الطريق القديمة كانت المعتمدة من الشام الى دير سانت كاترين في جنوب سيناء , وقد ذكر تلك الطريق المستشرق لويس موسيل في رحلته من سوريا الى النقب الفلسطيني سنة 1898م حين استعان بجمال قبيلة الترابين وذكر الوحيدات وحسنات ابو معيلق ومن الملاحظ في وثائق الدير ان عشيرة الحسابلة هي من كانت تؤمن حراسة الدير لوجود ديارهم في جنوب سيناء فهم اقدم ترابين المنطقة ولا تزال لهم اراضي ونخيل في المنطقة حتى الآن ومن عشائر الترابين في شمال سيناء كان الشبيتات منوط بهم خفارة الدرب المصري وهي طريق تجارية محضة تربط مصر بسوريا عن طريق المقضبة وهي تنشأ من غزة او خانيونس وتذهب جنوباً للغرب مارة بنقع شبانة فصنع المنيعي فحجر السواركة فالجورة تحدها من الغرب والعجرة من الشرق فالبرث فعجار السمن تحدها من الجنوب فالبواطي فمقع الوادي الابيض فالمقضبة في وادي العريش أما النجمات الترابين والوحيدات الترابين كان لهم تأمين طريق الحجيج من غزة والنقب في الجنوب الفلسطيني الى ابناء عمومتهم في شمال وجنوب سيناء وذكروا في العشرات من الوثائق الخاصة بدير سانت كاترين كممثلين وشيوخ لعربان غزة ولهم غفرة اسوة بأبناء عمومتهم ترابين شبه جزيرة سيناء . أما الجزء الجنوبي من سيناء فقد كان مشهوراً بمناجم الفيروز على الخصوص وهو اقليم مجدب جبلي ولا سيما في الجنوب حيث توجد قمم سربال (2057م) وجبل موسى (2242م) وجبل كاترين (2597م) وراس صفصاف (1992م) وفي الجزء الجنوبي جبل تيت (2401م) وجبل ام شزمر (2574م) وجبل ام اسود (2508م) وجميعها من أشد البقاع وعورة أما جبل موسى فيقال انه المكان الذي انزل الله فيه الى سيدنا موسى الوصايا العشر وان كان بعض المؤرخين يرى ان هذا المكان هو رأس صفصاف وأما جبل كاترين فهو اكثر الجبال ارتفاعاً في شبه جزيرة سيناء , وقد تلاشت منذ حقبة طويلة من الزمن ما تكسوه اشجار الأثل وحراج النخيل التي كانت تكسو جانباً من وديان طور سيناء ثم ان في الجبل كتابات فرعونية وقبطية فكتابات هؤلاء تكاد تكون موجودة في الوديان وفي كل مكان ولا سيما في وادي مقطب والنساك هم الذين اكسبوا هذا المكان شهرة طوال العصور المسيحية فقد لجأوا اليه على أثر إضطهاد الحكام الرومان اياهم , لما يمتاز به من العزلة والوحشة فأقاموا في جبال شبه الجزيرة , وقد قاسى الحجاج والرهبان كثيراً من الهجمات التي كانت تشن عليهم , ولم تردع العربان الفرمانات السلطانية العديدة التي اوجبت عدم التعرض للأرواح والاموال بسوء , فأضطر الرهبان مرات عديدة خلال القرن الخامس عشر الى ان يهجروه ويلتجئوا الى الطور او الى مصر ولذا كان الدير خالياً عند زيارة جان توخر من مدينة نورمبرج سنة 1479م وقد طرد العربان الرهبان من الدير سنة 1516م اثناء الحرب بين الأتراك والمماليك , وكان الدير مغلقاً مدة أربع أو خمس سنوات في منتصف القرن السادس عشر ثم كان مغلقاً في سنة 1565م وفي سنة 1600م , كما كان مغلقاً كذلك في سنة 1618م وهي السنة التي انتخب فيها ايوزاف مطراناً في طور سيناء وأمر بفتحه , غير انه اغلق ثانية بعد اربع عشر سنة وكذلك كان ما بين سنتي 1656و1660م وبين سنتي 1731و1733م واثناء الحملة الفرنسية على مصر حتى امر كليبر ببناء السور , واختلف عدد الرهبان كثيراً باختلاف الأزمنه ففي سنة 1000م كان ثلثمائة وفي سنة 1336م وجد فيه بيتر رودلف وأصله من مدينة زوخن نيفاً واربعمائة مع مطرانهم وعدداً من الاحبار وروى فريسكوبالدي ورفقاؤه انه كان بالدير سنة 1384م مائتا راهب منهم 150 بالدير الكبير والبقية موزعون على كنائس الجبل الصغيرة وكانوا 280 في سنة 1393م وفي سنة 1395م وجد نيقولا دي مارتوني 240 راهباً غير ان بيرو طافور لم يجد سنة 1435م الا 50 او 60 راهباً وكان الدير يجتاز حينئذ ازمة شديده اما فيليكس فاير الذي زار الدير سنة 1494م قلم ير الا ثلاثين راهباً ويظهر انه كان بالدير في القرن السابع عشر بين الستين والسبعين راهباً والسبب تأسيس اديرة عدة بالقسطنطينية وقبرص وكريت وبلغراد وبوخارست وكان لهذا تأثير كبير في عدد رجال الدين المقيمين بسانت كاترين فلم يعد هناك مئات من الرهبان كما كان يجد زوار العصر الوسيط ففي سنة 1700م لم يجد بونسيه غير خمسين ومثله فولني عند زيارته للدير سنة 1793م ثم كان العدد 28 سنة 1800م منهم ستة من رجال الدين واثنان وعشرون من الرهبان ثم كان 23 سنة 1816م عند زيارة بوركهاردت ...الخ واسقفية طور سيناء كنيسة مستقلة استقلالاً ذاتياً وفي مرتبة اسقفيات كريت وتشكوسلوفاكيا واستونيا وفنلندا والمطران يرسمه بطريرك بيت المقدس وهذا دليل ان دير طور سيناء تابع لكنيسة بيت المقدس وكانت الطائفة قبل الحرب ( المماليك والاتراك ) على جانب كبير من الغنى فكانت تملك ريعاً قدره ثمانية الآف من الجنيهات المصرية غير ان ممتلكاتها في رومانيا قد صودرت وكان ضمنها قصر المصيف الملكي في وقتنا الحاضر وكذلك صادرت رومانيا املاكها في بسارابيا عندما ضم الاقليم الى رومانيا وبيعت املاكها في الصرب اثناء الحرب كما العمارة ذات الايراد التي انشأتها في خيف بثمن بعض ممتلكاتها الزراعية بالقرب من هذه البلدة صودرت قبل ان يتمكن الدير من استغلالها مع ان كلفتها ستين الفاً من الجنيهات وكذلك ممتلكاتها في تفليس ثم ان الحكومة التركية وضعت يدها على دير ازمير ولم يبقى للدير ممتلكات الا في قبرص وكريت وايرادها ضئيل ثم ممتلكاتها في القاهرة وصوامعها في جزيرة طور سيناء والتبرعات التي كان الدير يجمعها في البلاد المسيحية ذات المذهب الارثوذكسي تضاءلت فلم تعد تجدي واضطر الدير الى اهمالها . وقد وصف علماء الحملة الفرنسية وكذلك نعوم بك شقير وصفاً دقيقاً لدير سانت كاترين وما احتواه من ابنية . اسماعيل بن عياد
________________________________________________
(1) : الغفارة : نظام كان متبع قديماً تدفع بموجبه القبيلة الضعيفة للقبيلة القوية مبلغاً من المال مقابل الحماية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق