التعليم في قضاء بئر السبع - المدرسة الداخلية للبدو - الجزء الثاني :
في عهد الإنتداب البريطاني من 1917- 1948م .
معاناة قضاء بئر السبع كانت شديدة من جميع النواحي جراء اهمال سلطة الإنتداب البغيضة ممثلة بدائرة المعارف الفلسطينية التي اضافت الى قائمة مصائب القضاء مصيبة جديدة وظلماً وقسوة وغبناً بحق من حقوقها الا وهي مصيبة التعليم فقضيت على السواد الأعظم من ابنائها ليتركوا مقاعد الدراسة الى الشوارع وأن يعتاضوا عن اسباب التربية والتهذيب بما ينتج من فساد الأخلاق وضياع الآداب وكان هذا من اهداف سياسة الإنتداب البريطاني بأن يكون هذا القضاء امياً بإمتياز وهو من أكبر أقضية فلسطين من حيث المساحة , فإن بئر السبع ممثلة بشيوخ قبائلها وأعيانها ناضلت وهي تطلب من دائرة المعارف الفلسطينية في برقيات عديدة واجتماعها بقائمقامها وحاكم اللواء الجنوبي ومدير المعارف لانشاء صف خامس ابتدائي وتوسعة الصف التمهيدي في المدينة التي لا يوجد بها الا مدرسة اميرية وحيدة قام ببنائها الأتراك اذا استثينا مدارس القبائل العربية " الكتاتيب " لا تستجدي عطاء بل تطالب سلطة الإنتداب بعمل ما يفرضه الواجب والعدالة والانسانية ولا تطلب امراً مستحيلاً بل حقاً من حقوقها فقضاء بئر السبع ليس بالقضاء الصغير الذي لا يدفع لادارة المعارف ما يشجعها على الاهتمام بشؤونه بل هو اكبر اقضية فلسطين ان لم يكن اكبرها والذي يدفع لسلطة الإنتداب من الضرائب الباهضة ما لا يدفعه قضاء آخر وقد ارسل المشايخ برقيات عديدة الى دائرة المعارف فحواها ان اهالي بئر السبع لفي حيرة تامة ودهشة غريبة من اهمال دائرة المعارف مدرستهم الوحيدة , وعدم حرصها على تقدمها ورقيها , ففي كل سنة تقريباً ينقص عدد صفوفها صفاً , وبعد ان كانت ذات ستة صفوف ابتدائية , وبعد ان كان من المقرر لها ان يكون فيها صف ثانوي اول اصبحت وصفوفها الابتدائية اربعة لا غير , ولما فتحت المدرسة ابوابها في 26 ايلول 1931م ذهب الطلاب المرشحون لدخول الصف الخامس اليها وسرعان ما فوجئوا بامر من ادارة المدرسة يكلفهم بأن يرجعوا من حيث اتوا , وان ادارة المعارف لا تريد ان تفتح لهم صفاً , امتثل الطلاب الامر ورجعوا الى ابائهم واوليائهم يبكون ويندبون حظهم فجن جنون الآباء , وهبوا لساعتهم للمشايخ والأعيان وكتبوا عريضة بواسطة القائمقام يسترحمون فيها فتح ( صف خامس ) يضم هؤلاء الطلبة ويحميهم من شر الاخطار التي تتهددهم ان هم لم يدخلوا المدرسة ولجأوا الى الشوارع بدلاً منها , واذا علمنا ان بئر السبع فقيرة جداً بسبب القحط المتواصل والضرائب الفادحة التي تثقل كواهل السكان واذا علمنا أن نسبة من يعرفون القراءة والكتابة فيها لا تذكر امام نسبة الاميين اتضح جلياً شدة احتياج هذه البلدة الى عناية ادارة المعارف واهتمامها ولهذا فان بئر السبع تأمل من ادارة المعارف التي خلقت للمحافظة على حياة النشء ومستقبله ان تلبي طلبها فتأمر بفتح الصف الخامس وتوسيع الصف التمهيدي الذي تحتاجه ايضاً ايما احتياج وانها تنتظر صدور هذا الأمر بفارغ الصبر سيما وقد بوشر في التدريس منذ عدة ايام , وفي سنة 1932م طير مشايخ قبائل بئر السبع واعيانها برقياتهم للمندوب السامي واجتمعوا مع اعضاء الحكومة وحاكم القضاء والقائمقام ومدير المعارف , وكان من ضمن مطالب مشايخ القبائل تأسيس قسم ليلي للطلبة من ابناء البدو في مدرسة بئر السبع الاميرية لقبول ابناء البدو وتعليمهم اصول الزراعة الحديثة وما يحتاجون اليه من العلوم البسيطة ليتخرجوا رجالاً نافعين مع ان الضرائب التي جبيت من قضاء بئر السبع منذ الاحتلال ملاءت خزائن الحكومة وعادت عليها وحدها بالخير والنفع الجزيل وهي لم تفكر قط في انه عليها واجبات نحو هذا القضاء اهمها تأسيس المدارس وتحسين المياه وتصليح الطرق وليس عليها بكثير ان تؤسس مدرسة زراعية يستفيد منها ابناء البدو تلقاء ما جبي ويجبى منهم من الضرائب الفادحة , فوعدت الحكومة بتلبية هذا الطلب وقد انقضى عام على وعد الحكومة .
وفي بداية عام 1933م قررت دائرة المعارف جعل مدرسة الاناث الاميرية في بئر السبع مدرسة داخلية لتعليم ابناء العشائر الذين يقطنون في اماكن خارج البلدة وقد تقدم للحكومة ثلاثة متعهدين من اثرياء القضاء يتعهدون في بناء دار جديدة حسب الخارطة التي تقدمها دائرة المعارف تؤجر لهذه الدائرة وتكون مدرسة للاناث في السنة المدرسية القادمة وبعد اتمام البناء افتتحت حكومة الإنتداب في العام الدراسي 1933م قسماً داخلياً في المدرسة الأميرية في مدينة بئر السبع وقررت أن يكون فيها 25 طالباً من أبناء العشائر وقد تقدم 114 طالباً من قبائل البدو للدخول في هذا الفرع فشكلت ادارة المعارف لجنة لاختيار العدد المطلوب منهم واللجنة مؤلفة من سعادة القائمقام عارف العارف ومفتش المعارف وطبيب الصحة ومدير المدرسة وأساتذتها فأختارت 64 طالباً منهم ثم راعت نسبة العشائر عند القبول الـ 25 طالباً وأصبح من المقرر أن يزداد عدد الطلبة البدو في العام المدرسي المقبل حتى يصبح 50 طالباً وأما مخصصات القسم الداخلي فقد بلغت في العام 1933م نحو 450 جنيهاً فلسطينياً وسيتضاعف هذا الرقم بسبب زيادة الطلبة وفي المدرسة الآن تسعة صفوف اعلاها الصف السادس الابتدائي وليس من المنتظر ان يفتح فيها قسم ثانوي في هذه السنة لنقصان عدد الطلبة وللمدرسة تسعة اساتذة كلهم من حملة " المتريكوليشن " ومديرها الشاب الناهض الاستاذ فريد سعد حامل شهادة بكالوريوس علوم من الجامعة الاميركية وقد اختارته ادارة المعارف لهذا المنصب اعترافاً منها بمقدرته وكفاءته والقسم الداخلي في المدرسة مجاني تماماً اذ يتناول الطلبة طعامهم وينامون على اسرة اعدتها لهم ادارة المعارف حتى انهم يأخذون ( مناشفهم ) وكتبهم بدون مقابل ولهم استاذان يشرفان عليهم ليلاً نهاراً ويبلغ عدد الطلبة عموماً في مدرسة قصبة السبع 275 طالباً وينتظر ان يزيدوا على الـ 300 في العام المقبل وفي قصبة بئر السبع نفسها مدرسة للأناث فيها نحو 150 طالبة وأربع معلمات ومديرة وفي القضاء خمس مدارس للحكومة وبعض الكتاتيب الأهلية ويلاحظ ان اقبال ابناء قبائل بئر السبع على التعليم الابتدائي عظيم جداً , وأصدرت ادارة المعارف, قانون فصل الطلبة الكسالى من القسم الداخلي وسيتم تطبيقه على جميع طلاب المدارس العادية في فلسطين فاذا رأت ان بعض الداخلين في مدرسة قصبة السبع مقصرون فصلتهم وادخلت طلبة غيرهم من الاكفاء المجتهدين , وقد طبقت المدرسة في هذه السنة مبدأ فصل الطلبة الغير مجتهدين فتم طرد 13 تلميذاً بحجة عدم اجتهادهم ولما كان طردهم هذا قتلاً ادبياً لهم فقد قام فريق من وجوه البلد قوامه فضيلة الشيخ سليم بسيسو والحاج عيسى بسيسو واديب التركماني وتوفيق القهوجي وصالح داود وحسن الطبجي والحاج علي جرادة وخليل شكور وسعدي بسيسو وسعيد بسيسو والحاج محمد الشرفا والحاج يوسف الشرفا وغيرهم ونظموا ثلاث مضابط لفخامة المندوب السامي ولحاكم المقاطعة ولمدير المعارف التمسوا فيها اعادة التلامذة الى مدرستهم فصدر الأمر بذلك .
" نحتفظ بالمصادر وفحوى البرقيات وسنشير لها في كتابنا / اسماعيل بن عياد "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق