الشعر البدوي الفطري :
ترى رب الشويهة والبعير لا يطالع من الشعر غير ديوان الزهر اليانع النضير ولا يسمع من تقاطيع العروض سوى ما تردده الطيور في تغاريدها المنعشة أي لا يقرع سمعهُ مستفعل فعول , تهيج ربيب الفلا نظرة الربيع ويهزهً النسيم العليل فيتغنى بما توحيهِ اليهِ القريحةُ هزجاً في هزج ويرسلهُ شعراً كريماً أجل انهُ لا ينعكس في مخيلته سوى نمير الغدير الرائق فيجري شعرهً زلالاً سائغاً , ولا يرى الا الأزهار الغضة فيقطف من قريحته مثلها أو أزهى منها وينظمه شعراً جميلاً , ولا يستنشق الا الهواء الطلق فيرسل روحهُ معه ويودعها في الفضاء اين هذا من الحضري الذي يكب على الأسفار ليل نهار ويجهد نفسه بحفظ القصائد القديم منها والحديث يجد بأتقان فنون البلاغة والعروض ويلوك لسانه ويكرر " فعول مفاعيل " ويتعب قريحته زمناً طويلاً فينمق الألفاظ متكلفاً وينظم من غير ان يهيجه منظر جميل فهذا لن يجاري البدوي البسيط في ميدان الشعر والشعور .
فاليك حديث الشاعر / علي بن الجهم البدوي اذ خاطب الخليفة مادحاً فقال :
أنت كالكلب في حفاظك للودّ ... كالتيس في قراع الخطــــــــوب
أنت كالدلو لا عدمناك دلولاً ... من كبير الدّلى طويل ذنوبي (1)
فهزأ به الحاضرون وأعتذر عنهُ المتوكل الخليفة العباسي انهُ بدوي لم يشاهد غير ما ذكر ثم لما تمدن انشأ قصيدته المنسجمة الشهيرة التي يقول في مطلعها :
عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
ولم يكن ابن الجهم منفرداً بتلك البدائع الفتانة بل ذلك شأن كثير من شعراء البادية .
___________________________________________________
(1) : انك ترى على هذين البيتين مسحة من الفكاهة التي تشف عن بلادة ناظمهما
لا سيما في تشبيه الخليفة بالكلب ولكن ابن الجهم نظر الى الحقيقة عينها
فترك التكلف جانباً ومدح المتوكل العباسي بأخلاص من ظمير طاهر اذ انه احرز
للكلب صفات لو اتصف بها الممدوح لكان افضل من اكثر الخلفاء وكثير ما يصف
الشعراء ممدوحيهم بالأسد وهو غاية الوصف والشجاعة فلولا العادة وتدين المسلمين بنجاسة هذا الحيوان الودود لحسب خيراً من الوحش الضاري الذي يفخرون بالتشبه به .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق