قال عارف العارف كبير مؤرخي فلسطين في كتابه القضاء بين البدو ما نصه حين دون عن تاريخ القبائل العربية العريقة في بئر السبع : [ أيقنت منذ اللحظة الأولى التي هبطت فيها بئر السبع , إنه لن يتيسر لي حل مشاكل العربان وما أكثر مشاكلهم في هذه البلاد , مالم أقف على عوائدهم ولن أتمكن من إقامة قسطاس العدل بينهم إلا إذا درست طبائعهم فشرعت أتسقط أخبارهم وأستطلع آثارهم , وأبحث عن المألوف والمنكر في نظرهم فلم أترك منزلاً من منازلهم إلا ونزلته ولا شيخاً من مشايخهم إلا وسألته ولا حادثة من حوادثهم إلا وأستنطقتها ومكثت على هذا النمط عامين أو يزيد جاداً في مهمتي الى أن إجتمعت لي طائفة غير قليلة من أخبار القوم , وعوائدهم وأصولهم وفروعهم وبطونهم وأفخاذهم وعددهم ومنازلهم ونسائهم وطبائعهم وطرق تقاضيهم ولغتهم وأغانيهم وتاريخهم وحروبهم بيد إني ما كنت أحسب وأنا أقوم بهذا العمل إن هذه الأخبار والعوائد التي دونتها في مفكرتي لأرجع اليها في أعمالي الحكومية وعند مسيس الحاجة فقط , ستخرج للناس في شكل كتاب وما كنت لأجرؤ على ذلك لولا مشيئة بعض الأصدقاء وفريق كبير من العربان أنفسهم فلم أر بدأ من العمل بمشيئتهم .... ولقد استعنت على عملي هذا بآراء الكثيرين من عقلاء البدو في هذه البلاد كما إنني تصفحت في سبيل إتقانه كثير من الكتب الحديثة والأسفار القديمة كالعقد الفريد ( لأبي عمر أحمد بن محمد بن عبدربه الأندلسي) وتاريخ الكامل لأبن الأثير ودائرة المعارف للمعلم بطرس البستاني وتاريخ سيناء لنعوم بك شقير وبلوغ الارب في معرفة أحوال العرب للسيد محمود شكري الألوسي البغدادي وكشف النقاب للشيخ احمد بن شعبان بسيسو والعرب قبل الاسلام لجرجي زيدان والموسوعة البريطانية ..الخ وكثير من كتب المستشرقين وذكر في كتابه بئر السبع وقبائلها في المقدمة ذكرت في تاريخ كل قبيلة شيئاً عن أصل تلك القبيلة وما نقله لي الرواة الثقاة من أبنائها ...الخ ] قلت : ذكر العارف انه استقى معلوماته من الرواة الثقات من مشايخ قبائل بئر السبع فالتاريخ الشفوي هو مصدر مهم من مصادر التاريخ لدى المؤرخين القدامى ولولا تدوينهم الرواية الشفوية لما عرفنا الكثير مما نعرفه اليوم فعلم النسب من العلوم التي تحتاج الى رحلات وزيارات للقبائل الذين يدون نسبهم وكلما كان المؤلف قريباً من مواطن القبيلة التي يؤرخ عنها كلما كان قوله أسلم وأرجح إذا لم يعرف الكذب فالعارف مؤرخ وأقواله معتبرة لأنه تحدث عن قبائل في بلده ولم يتحدث عن قبائل في بلدان اخرى , وما كتبه العارف اعلاه واضح وضوح الشمس لكل ذي بصيرة فقد دون تاريخ قبائل بئر السبع , والتقى شيوخهم قبل ان يستلم أي وظيفة حكومية بثلاث سنوات فقد بذل جهداً جباراً في التدوين والتحقيق والتمحيص وأستنطق كثير من الأمور التي سمعها ودونها فجميع المغالطات في أنساب قبائل بئر السبع والنقب ظهرت في الكتابات المتأخره جداً وناقضت ما ذكره شيوخ القبائل للعارف لأعتمادهم على تشابه الأسماء وهي آفة الأنساب فنجد بعض المزورين يلهث وراء تشابه الأسماء عن جهل وغباء قل نظيره فينسب الترابين لفرع من بني عطية المعازة ويختلق فروع اخرى لقبائل اخرى لا يجمعهم نسب واحد ويضمهم لبني عطيه ثم ينسب بني عطية لبني عقبة من جذام ثم يخلط في الأنساب ويجمع كثير من القبائل تحت مسمى " العطويون " وقد بينا جهالته وضحالة تفكيره في مقالة سابقه من هم العطويون وعلاقتهم ببني عطية وبني عقبة فقد أتى على ما حذر منه كبار علماء النسب والتاريخ حين خلط بين فروع القبائل وجغرافية الأماكن وتشابه الأسماء ومما أضحكني ما نسب حديثاً لقبيلة التياها الكريمه حين نسبوا لـ ( بني تيه ) مخالفاً بذلك موروث هذه القبيلة لسبب بسيط إنه وجد هذا التشابه في كتاب البيان والأعراب عما في مصر من الأعراب للمقريزي فتم تلقف هذه الجزئية لينسب التياها لبني تيه (ص130) وهم بطن من جذام فقبائل بئر السبع قاطبة في ليلة وضحاها كالترابين والتياها والوحيدات .. أصبحت جذاميه وكذلك بعض من قبائل سيناء والجزيرة العربية كالأحيوات والمساعيد والسواركة والرتيمات والحويطات وبني عطية ( المعازة) ... تمت لنسب واحد فقد اعتمد ما ذكره الجزيري عن الأدراك وتغافل عامداً متعمداً عن قول الجزيري في الباب الثاني في امارة الحج (ج1 ص209 ) [ عادة أمير الركب الحجازي أن يكون لخيامه الأبهه والحرمة لأنه سائر بالوفد ماراً على عربان مختلفة الأجناس كالعقبي والبلوي والعطوي والحويطي وغيرهم ] فالجزيري افحم كل مدلس إن العربان أجناس مختلفه أي من أصول مختلفة أي لا تمت بصلة نسب بعضها لبعض فكما قيل ( النساخ مساخ) ونقول لهذا المتطفل على علم الأنساب (ليس هذا عشك فأدرج) فالتاريخ والتوثيق يكون سيئاً حين يكتب ويفصل بمقاسات محددة سلفاً ,( واللبيب بالأشارة يفهم ) فقد تبنى سابقاً بقمية الترابين مستنداً لقول شاعر ثم تراجع لعدم قناعته بذلك النسب بعد ظهور رد مؤرخ الجزيرة حمد الجاسر رحمه الله على أحد مشايخ الترابين حول بقمية الترابين والتي تم نفيها من قبل المؤرخ حمد الجاسر وهو المؤرخ المقيم بين قبائل الجزيرة العربية وأعرف من غيره بتفرعات قبائلها ولكنه أخطأ حين تسرع بالرد وأشار للجزيري عما قاله عن الأدراك ولكنه لو تنبه ما ذكره الجزيري في النص الذي اشرنا له في اعلاه لتراجع عما قاله كما فعل حين اخطأ في نسبه الذي صلحه له الباحث فائز البدراني ولكن هي مشيئة الأقدار , فقد اثنى مستشار البحوث التاريخية في دار الملك عبد العزيز الأستاذ / قاسم الرويس الذي كتب في جريدة الرياض اليومية يوم الثلاثاء 2 رجب 1425هـ الموافق الثلاثاء 17 أغسطس 2004م قراءة في كتاب القضاء بين البدو لعارف العارف : الكتاب يعطي تصوراً عاماً عن الحياة الاجتماعية والثقافية عند البدو بغض النظر عن الخصائص , صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ضمن الدراسات التي تنشرها الطبعة الأولى من كتاب "القضاء بين البدو" للمؤلف الفلسطيني عارف العارف والحقيقة أن هذه ليست الطبعة الأولى لهذا الكاتب فقد سبق أن صدر هذا الكتاب في القدس في عام 1933م مطبعة بيت المقدس وعليه فلا يمكن اعتبار هذه الطبعة الأولى بل قد تكون الطبعة الثانية للكتاب.
ويعد هذا الكتاب باكورة الإنتاج الفكري للمؤرخ والباحث الفلكلوري الفلسطيني الأستاذ عارف العارف الذي ولد بمدينة القدس في عام 1892م واكمل دراسته الجامعية في اسطنبول عام 1913م اشترك في الحرب العالمية الأولى كضابط تركي وقضى في سيبيريا ثلاث سنوات أسير في يد القوات الروسية وشغل بعد ذلك أيام الانتداب البريطاني على فلسطين وحتى عام 1948م وظيفة قائمقام لكل من مدن بئر السبع وغزة وجنين ونابلس وبيسان ويافا، وانتخب رئيساً لبلدية القدس عام 1950م ، ثم انتقل إلى شرقي الأردن حيث عين وزيراً للاشغال في عام 1955م. وفي أوائل عام 1967م عين مديراً لمتحف حكومة عموم فلسطين في القدس، الذي تم تغيير اسمه بعد حرب حزيران إلى متحف روكفلر، حيث توفي في القدس عام 1973م، وللمؤلف عدد من المؤلفات القيمة التي تصل الى خمسة عشر كتاباً أغلبها عن تاريخ فلسطين.
** أشار المؤلف في كلمته التي صدر بها كتابه عن اهتمامه بمعرفة عوائد وتقاليد وانساب وأخبار وخصائص قبائل بئر السبع بهدف أن يتيسر له حل مشاكلهم بحكم عمله الحكومي كقائم مقام ورئيس لمحكمة العشائر لديهم من عام 1931م فقد كان لتعيين الأستاذ عارف العارف قائم مقام لمدينة بئر السبع عاصمة النقب الفلسطيني أثره الواضح في دراسته لهذه القبائل العربية البدوية، وبمضاربها المتناثرة حيث تعايش معها ومع ظروف حياتها المتميزة فأخذ يجول بين هذه القبائل ويجلس مع رؤساء القبائل وقضاتها وأفرادها ويدون في دفاتره.
وذكر أن الكتاب كان مجرد معلومات دونها في مفكرته الخاصة ليرجع اليها عند الحاجة ولم يخطر بباله عند جمعها وتدوينها فكرة تأليف الكتاب حتى أشار عليه الأصدقاء بذلك الأمر الذي شجعه على اصدار هذا الكتاب ليسميه "القضاء بين البدو" وذلك لأن الغاية الأصلية من تدوينه كانت قضائية بحتة ولكنه رأى أن يفرد للعوائد والتقاليد فصولا خاصة بها لتتحقق الفائدة المنشودة للجميع وقد ذكر المؤلف في كلمته هذه أسماء المراجع التي رجع اليها واستفاد منها كالعقد الفريد ودائرة المعارف وكشف النقاب وبلوغ الأرب وغيرها, فالكتاب إذن ليس مختصاً بالقضاء فقط كما قد يفهم من عنوانه ولكنه شامل للعادات والتقاليد والمعتقدات والآداب والأنساب والأخبار والتاريخ والجغرافيا ورغم أن المؤلف يتحدث عن منطقة جغرافية محددة إلا أننا تند كثيرا من الأمور المشتركة بين قبائل الجزيرة العربية وقبائل بئر السبع وذلك بحكم التقارب الجغرافي والاجتماعي فالارتباط بين قبائل الجزيرة العربية وبادية الشام والعراق لا يخفى على كل باحث مما يعني أن الكتاب يعطي تصوراً عاما عن الحياة الاجتماعية و الثقافية عند البدو بغض النظر عن الخصائص المميزة لكل منطقة أو قبيلة وستلحظ ذلك في ثنايا الكتاب , زود المؤلف كتابه بأكثر من ثلاثين صورة تعتبر من الصور النادرة لشيوخ القبائل وعدد من الشخصيات الأخرى وكذلك صور لبعض جوانب الحياة الاجتماعية للبادية ولفت نظري صورتان توضحان كيفية إجراء ما يسمى "البشعة" في إحدى القضايا الموثقة التي حضرها المؤلف بنفسه والمؤلف يرجع الفضل في إخراج أكثر هذه الصور الى المسترجون وايتنغ والمستر ماتسون من رجال الجالية الأمريكية في القدس,قسم المؤلف االكتاب الذي جاء في 268صفحة الى عشرة أبواب وقسم كل باب إلى عدة فصول كما تقتضيه المنهجية العلمية.
الباب الأول جعل موضوعه في أعراب بئر السبع فتحدث عن أصولهم وفروعهم وأعدادهم وقد أشار المؤلف الى الصعوبة التي واجهتها الحكومة عند قيامها بإحصاء السكان عام 1922م حيث لم يتعاون مشايخ البدو وأفراد قبائلهم مع الموظفين لأنهم كانوا يعتقدون أن الإحصاء هو الخطوة الأولى للتجنيد في الجيش وقد استطاع المؤلف بجهوده الشخصية عمل احصاء تقريبي مفصل لأسماء العشائر واعدادها عام 1931م. وتحدث في هذا الكتاب عن سجاياهم ومشيختهم ولهجتهم حيث لاحظ تشابها في لهجة أعراب السبع مع لهجات قبائل الجزيرة العربية فمن الأمثلة التي تتطابق الفاظها ومعانيها ما يلي :
بالهمام : بالسرعة - بشويش : على مهل - جهامة : العدد الكبير من الإبل - جله : روث الأنعام - أروج : استعجل - دبش : غنم - أيش علومك : ماهي أخبارك - حنا : نحن - علامك : ماذا دهاك - الربع : الأهل - طرّش : سافر - كميت : أخفيت - وغيرها كثير.
اما الباب الثاني فقد خصصه المؤلف بالقضاء بين البدو وبدأه بالحديث عن القضاء بين العرب كنظرة عامة حيث وضح أن لقبائل البدو قانون خاص، يمكن أن يطلق عليه "القانون الشعبي" فصلوا فيه لكل كبيرة وصغيرة لها ضوابطها وعقوباتها، في وقت كان فيه التسيب الإداري والإهتراء الأمني سائداً، وعليه أقاموا الحد فيما بينهم بضوابط ثابتة، يقضي فيها القضاة وفق تخصصاتهم وبأسلوب يستحق التقدير الذي سوف يزداد بمقدار اهتمامنا بإعادة النظر فيما كتب المؤلف ثم انتقل الى القضاة وذكر أسماءهم وقبائلهم وقد قسمهم إلى نصفين :
أ - قضاة العرب الأصليون ويسمونهم "مخاطيط" .
ب - قضاة محكمة العشائر الحكوميون ويسمونهم "لحاسة الختوم".
فأما القضاة المخاطيط فلهم تقسيم حسب القضايا التي ينظرونها فهناك أولا "الملم" لتحديد الدعوى وهناك "الكبار" لتسمية القضاة الذين ينظرون في القضية فإن كان الإختلاف في أرض اتجهوا إلى "أهل الديار" وإن كان من أجل خيل ذهبوا إلى "أهل الرسان" وإن كان من أجل عرض أو دخول بيت حكم فيها "المناشد" وإن كان القضية مالية يصيرون الى "الضريبة" أو "الزيود" وإن كانت القضية من أجل قتل أو ضرب أو جرح ينظر فيها مناقع الدموم ويسمونهم "القصاصين" فلكل نوع من القضايا قضاة متخصصون لا ينظرها غيرهم.
وبين المؤلف أن المدعي يقدم إلى القضاة اجرته قبل ان يشرح قضيته وتسمى "رزقة" في الدعوى الجزائية و "جعلة" في القضايا الحقوقية ويقدم المدعى عليه أجرة تعادل ما قدمه خصمه كذلك فمن ثبت عليه الحق غرم فيما يعاد للآخر ماقدمه. والنظر في القضية عند هؤلاء البدو يكون على درجات ابتداء من قاضي التحقيق "الكبار" ليصل الى القاضي الابتدائي ثم قاضي الاستئناف واخيرا قاضي التمييز الذي يعتبر حكمه نهائيا وهذه الطريقة مع اختلاف المسميات بالطبع تذكر بالطريقة المألوفة حديثا للنظر في القضايا.
وفي الباب الثالث من الكتاب تحدث المؤلف عن قضايا القتل وفصل فيها وضرب الأمثلة الواقعية الموثقة لبعض القضايا كما ذكر ووضح كثيراً من المصطلحات القضائية والعرقية مثل : الخمسة : وهم نسل الأب والجد وجد الجد حتى الجد الخامس ، والعطوة : وهي الهدنة التي تسود بين الفريقين المتخاصمين، والجوة : وهي المبلغ الذي يدفعه الرجل القاتل او المتهم بالقتل الى الرجل الذي يقبل ان يكون واسطة للصلح بينه وبين اهل القتيل والوجه : ويعني الكفيل وهناك كفيل الوفاء : وهو الذي يكفل دفع المبالغ المالية في القضية وكفيل الدفا : وهو الذي يكفل عدم قيام المعتدي عليه بأخذ الثأر؛ كما تحدث في هذا الباب عن البشعة وكذلك الدية التي يعرب عنها البدو بقولهم "الدية أربعين وقوف أو غلام مكتوف" ونلحظ في هذا الباب إشارة الى الارتباط القضائي بين قبائل الحجاز وقبائل الشام فقد ينظر في قضية لأحد قبائل فلسطين أحد القضاة العرفيين في الحجاز.
وفي الباب الرابع تحدث المؤلف عن السرقات من الأمور التي يجدر الإشارة اليها في هذا الباب ما يسمى بالعداية : وهي أن تتعدى انت بنفسك او ترسل من يعتدي على غنم أي فرد في عشيرتك أو من حولهم فتأخذ منها واحدة لتطعم بها ضيفك وهي فعل مشروع عند العرب ولكن لها شروطاً اذا لم تنظر اليها بعين الاعتبار عد عملك سرقة تعاقب عليها. وهناك الوساقة : وهي وضع اليد على مال رجل لك في ذمته حق ثم تودعه عند رجل آخر من أهل الأمانة حتى يرجع لك مالك او تتقاضى معه وهي أمر مشروع بشروطه التي اذا لم تنفذ اعتبر العمل سرقة.
ويتحدث المؤلف في الباب الخامس عن المرأة البدوية وحقوقها وواجباتها وأحكام الوراثة والزواج والطلاق وتعدد الزوجات وغيرها من الأمور التي تتعلق بحياة المرأة في البادية. وفي الباب السادس الذي خصه المؤلف بقضايا الحيوان بدأه بالحديث عن الفصل الثاني عن الإبل واسمائها وصفاتها وفصائلها ومحبة البدو للإبل التي لا يعادلها محبة لينتقل بعد ذلك للحديث عن الوسم ويوضح شكل الوسم واسمه وموضعه لكل عشيرة من العشائر ثم يختم المؤلف هذا الباب بالحديث عن المراعي والمياه وحقوقهما.
امام الباب السابع فنجد فيه بيانا لبعض العادات والتقاليد والأعراف البدوية كحقوق الجوار وحقوق الضيف فيما خصص الفصل الخامس والسادس للحديث عن القهوة والغزو عند البدوي.
فيما يتحدث المؤلف في الباب الثامن عن الحياة الاقتصادية عند البادية نجده في الباب التاسع عن الطب بين البدو ليصل في الباب العاشر والأخير الى بيان بعض المعتقدات عند قبائل بئر السبع من هذه المعتقدات أنهم يرون "أن الدنيا اكعاب واعتاب ونواصي" أي أن للمرأة والبيت والفرس تأثيراً على حظ المرء بل إنه أوضح بعض المعتقدات التي لا تخلو من الشركيات التي يدعمها الجهل في كل زمان ومكان.
والمؤلف اعتمد في كتابه على الدراسة الموضوعية والوصفية مستخدما أسلوب الدراسة الميدانية القائمة على الإاستجواب الشخصي في معظم أبواب كتابه مع الاستعانة بالعديد من المصادر والمراجع لكي يعمق دراسته ويصلها التاريخ الفلسطيني القديم.
** ومن خلال استعراضنا لهذا الكتاب نجد أنه من المراجع المهمة في الأنثروبولوجيا والفلكلور فهو سجل حافل عن حياة البادية وإن كان يعتبر مرجعا وثائقيا للقضاء العرفي عند القبائل العربية كما ان الباحث يستطيع من خلاله المقارنة بين البادية في الجزيرة العربية والبادية في الشام الأمر الذي يؤكد الجهد الكبير والبحث الشامل والمعلومات الدقيقة التي قدمها المؤلف في هذا الكتاب المنبثقة من التجربة الميدانية والمعايشة الحقيقية والقضايا الموثقة ؛ وختاماً لا يفوتني التأكيد على أن هذا الكتاب إنما هو نتاج كتابة المذكرات الشخصية فالتدوين دائما هو الوقود المتاح للتأريخ والتأليف.
ويعد هذا الكتاب باكورة الإنتاج الفكري للمؤرخ والباحث الفلكلوري الفلسطيني الأستاذ عارف العارف الذي ولد بمدينة القدس في عام 1892م واكمل دراسته الجامعية في اسطنبول عام 1913م اشترك في الحرب العالمية الأولى كضابط تركي وقضى في سيبيريا ثلاث سنوات أسير في يد القوات الروسية وشغل بعد ذلك أيام الانتداب البريطاني على فلسطين وحتى عام 1948م وظيفة قائمقام لكل من مدن بئر السبع وغزة وجنين ونابلس وبيسان ويافا، وانتخب رئيساً لبلدية القدس عام 1950م ، ثم انتقل إلى شرقي الأردن حيث عين وزيراً للاشغال في عام 1955م. وفي أوائل عام 1967م عين مديراً لمتحف حكومة عموم فلسطين في القدس، الذي تم تغيير اسمه بعد حرب حزيران إلى متحف روكفلر، حيث توفي في القدس عام 1973م، وللمؤلف عدد من المؤلفات القيمة التي تصل الى خمسة عشر كتاباً أغلبها عن تاريخ فلسطين.
** أشار المؤلف في كلمته التي صدر بها كتابه عن اهتمامه بمعرفة عوائد وتقاليد وانساب وأخبار وخصائص قبائل بئر السبع بهدف أن يتيسر له حل مشاكلهم بحكم عمله الحكومي كقائم مقام ورئيس لمحكمة العشائر لديهم من عام 1931م فقد كان لتعيين الأستاذ عارف العارف قائم مقام لمدينة بئر السبع عاصمة النقب الفلسطيني أثره الواضح في دراسته لهذه القبائل العربية البدوية، وبمضاربها المتناثرة حيث تعايش معها ومع ظروف حياتها المتميزة فأخذ يجول بين هذه القبائل ويجلس مع رؤساء القبائل وقضاتها وأفرادها ويدون في دفاتره.
وذكر أن الكتاب كان مجرد معلومات دونها في مفكرته الخاصة ليرجع اليها عند الحاجة ولم يخطر بباله عند جمعها وتدوينها فكرة تأليف الكتاب حتى أشار عليه الأصدقاء بذلك الأمر الذي شجعه على اصدار هذا الكتاب ليسميه "القضاء بين البدو" وذلك لأن الغاية الأصلية من تدوينه كانت قضائية بحتة ولكنه رأى أن يفرد للعوائد والتقاليد فصولا خاصة بها لتتحقق الفائدة المنشودة للجميع وقد ذكر المؤلف في كلمته هذه أسماء المراجع التي رجع اليها واستفاد منها كالعقد الفريد ودائرة المعارف وكشف النقاب وبلوغ الأرب وغيرها, فالكتاب إذن ليس مختصاً بالقضاء فقط كما قد يفهم من عنوانه ولكنه شامل للعادات والتقاليد والمعتقدات والآداب والأنساب والأخبار والتاريخ والجغرافيا ورغم أن المؤلف يتحدث عن منطقة جغرافية محددة إلا أننا تند كثيرا من الأمور المشتركة بين قبائل الجزيرة العربية وقبائل بئر السبع وذلك بحكم التقارب الجغرافي والاجتماعي فالارتباط بين قبائل الجزيرة العربية وبادية الشام والعراق لا يخفى على كل باحث مما يعني أن الكتاب يعطي تصوراً عاما عن الحياة الاجتماعية و الثقافية عند البدو بغض النظر عن الخصائص المميزة لكل منطقة أو قبيلة وستلحظ ذلك في ثنايا الكتاب , زود المؤلف كتابه بأكثر من ثلاثين صورة تعتبر من الصور النادرة لشيوخ القبائل وعدد من الشخصيات الأخرى وكذلك صور لبعض جوانب الحياة الاجتماعية للبادية ولفت نظري صورتان توضحان كيفية إجراء ما يسمى "البشعة" في إحدى القضايا الموثقة التي حضرها المؤلف بنفسه والمؤلف يرجع الفضل في إخراج أكثر هذه الصور الى المسترجون وايتنغ والمستر ماتسون من رجال الجالية الأمريكية في القدس,قسم المؤلف االكتاب الذي جاء في 268صفحة الى عشرة أبواب وقسم كل باب إلى عدة فصول كما تقتضيه المنهجية العلمية.
الباب الأول جعل موضوعه في أعراب بئر السبع فتحدث عن أصولهم وفروعهم وأعدادهم وقد أشار المؤلف الى الصعوبة التي واجهتها الحكومة عند قيامها بإحصاء السكان عام 1922م حيث لم يتعاون مشايخ البدو وأفراد قبائلهم مع الموظفين لأنهم كانوا يعتقدون أن الإحصاء هو الخطوة الأولى للتجنيد في الجيش وقد استطاع المؤلف بجهوده الشخصية عمل احصاء تقريبي مفصل لأسماء العشائر واعدادها عام 1931م. وتحدث في هذا الكتاب عن سجاياهم ومشيختهم ولهجتهم حيث لاحظ تشابها في لهجة أعراب السبع مع لهجات قبائل الجزيرة العربية فمن الأمثلة التي تتطابق الفاظها ومعانيها ما يلي :
بالهمام : بالسرعة - بشويش : على مهل - جهامة : العدد الكبير من الإبل - جله : روث الأنعام - أروج : استعجل - دبش : غنم - أيش علومك : ماهي أخبارك - حنا : نحن - علامك : ماذا دهاك - الربع : الأهل - طرّش : سافر - كميت : أخفيت - وغيرها كثير.
اما الباب الثاني فقد خصصه المؤلف بالقضاء بين البدو وبدأه بالحديث عن القضاء بين العرب كنظرة عامة حيث وضح أن لقبائل البدو قانون خاص، يمكن أن يطلق عليه "القانون الشعبي" فصلوا فيه لكل كبيرة وصغيرة لها ضوابطها وعقوباتها، في وقت كان فيه التسيب الإداري والإهتراء الأمني سائداً، وعليه أقاموا الحد فيما بينهم بضوابط ثابتة، يقضي فيها القضاة وفق تخصصاتهم وبأسلوب يستحق التقدير الذي سوف يزداد بمقدار اهتمامنا بإعادة النظر فيما كتب المؤلف ثم انتقل الى القضاة وذكر أسماءهم وقبائلهم وقد قسمهم إلى نصفين :
أ - قضاة العرب الأصليون ويسمونهم "مخاطيط" .
ب - قضاة محكمة العشائر الحكوميون ويسمونهم "لحاسة الختوم".
فأما القضاة المخاطيط فلهم تقسيم حسب القضايا التي ينظرونها فهناك أولا "الملم" لتحديد الدعوى وهناك "الكبار" لتسمية القضاة الذين ينظرون في القضية فإن كان الإختلاف في أرض اتجهوا إلى "أهل الديار" وإن كان من أجل خيل ذهبوا إلى "أهل الرسان" وإن كان من أجل عرض أو دخول بيت حكم فيها "المناشد" وإن كان القضية مالية يصيرون الى "الضريبة" أو "الزيود" وإن كانت القضية من أجل قتل أو ضرب أو جرح ينظر فيها مناقع الدموم ويسمونهم "القصاصين" فلكل نوع من القضايا قضاة متخصصون لا ينظرها غيرهم.
وبين المؤلف أن المدعي يقدم إلى القضاة اجرته قبل ان يشرح قضيته وتسمى "رزقة" في الدعوى الجزائية و "جعلة" في القضايا الحقوقية ويقدم المدعى عليه أجرة تعادل ما قدمه خصمه كذلك فمن ثبت عليه الحق غرم فيما يعاد للآخر ماقدمه. والنظر في القضية عند هؤلاء البدو يكون على درجات ابتداء من قاضي التحقيق "الكبار" ليصل الى القاضي الابتدائي ثم قاضي الاستئناف واخيرا قاضي التمييز الذي يعتبر حكمه نهائيا وهذه الطريقة مع اختلاف المسميات بالطبع تذكر بالطريقة المألوفة حديثا للنظر في القضايا.
وفي الباب الثالث من الكتاب تحدث المؤلف عن قضايا القتل وفصل فيها وضرب الأمثلة الواقعية الموثقة لبعض القضايا كما ذكر ووضح كثيراً من المصطلحات القضائية والعرقية مثل : الخمسة : وهم نسل الأب والجد وجد الجد حتى الجد الخامس ، والعطوة : وهي الهدنة التي تسود بين الفريقين المتخاصمين، والجوة : وهي المبلغ الذي يدفعه الرجل القاتل او المتهم بالقتل الى الرجل الذي يقبل ان يكون واسطة للصلح بينه وبين اهل القتيل والوجه : ويعني الكفيل وهناك كفيل الوفاء : وهو الذي يكفل دفع المبالغ المالية في القضية وكفيل الدفا : وهو الذي يكفل عدم قيام المعتدي عليه بأخذ الثأر؛ كما تحدث في هذا الباب عن البشعة وكذلك الدية التي يعرب عنها البدو بقولهم "الدية أربعين وقوف أو غلام مكتوف" ونلحظ في هذا الباب إشارة الى الارتباط القضائي بين قبائل الحجاز وقبائل الشام فقد ينظر في قضية لأحد قبائل فلسطين أحد القضاة العرفيين في الحجاز.
وفي الباب الرابع تحدث المؤلف عن السرقات من الأمور التي يجدر الإشارة اليها في هذا الباب ما يسمى بالعداية : وهي أن تتعدى انت بنفسك او ترسل من يعتدي على غنم أي فرد في عشيرتك أو من حولهم فتأخذ منها واحدة لتطعم بها ضيفك وهي فعل مشروع عند العرب ولكن لها شروطاً اذا لم تنظر اليها بعين الاعتبار عد عملك سرقة تعاقب عليها. وهناك الوساقة : وهي وضع اليد على مال رجل لك في ذمته حق ثم تودعه عند رجل آخر من أهل الأمانة حتى يرجع لك مالك او تتقاضى معه وهي أمر مشروع بشروطه التي اذا لم تنفذ اعتبر العمل سرقة.
ويتحدث المؤلف في الباب الخامس عن المرأة البدوية وحقوقها وواجباتها وأحكام الوراثة والزواج والطلاق وتعدد الزوجات وغيرها من الأمور التي تتعلق بحياة المرأة في البادية. وفي الباب السادس الذي خصه المؤلف بقضايا الحيوان بدأه بالحديث عن الفصل الثاني عن الإبل واسمائها وصفاتها وفصائلها ومحبة البدو للإبل التي لا يعادلها محبة لينتقل بعد ذلك للحديث عن الوسم ويوضح شكل الوسم واسمه وموضعه لكل عشيرة من العشائر ثم يختم المؤلف هذا الباب بالحديث عن المراعي والمياه وحقوقهما.
امام الباب السابع فنجد فيه بيانا لبعض العادات والتقاليد والأعراف البدوية كحقوق الجوار وحقوق الضيف فيما خصص الفصل الخامس والسادس للحديث عن القهوة والغزو عند البدوي.
فيما يتحدث المؤلف في الباب الثامن عن الحياة الاقتصادية عند البادية نجده في الباب التاسع عن الطب بين البدو ليصل في الباب العاشر والأخير الى بيان بعض المعتقدات عند قبائل بئر السبع من هذه المعتقدات أنهم يرون "أن الدنيا اكعاب واعتاب ونواصي" أي أن للمرأة والبيت والفرس تأثيراً على حظ المرء بل إنه أوضح بعض المعتقدات التي لا تخلو من الشركيات التي يدعمها الجهل في كل زمان ومكان.
والمؤلف اعتمد في كتابه على الدراسة الموضوعية والوصفية مستخدما أسلوب الدراسة الميدانية القائمة على الإاستجواب الشخصي في معظم أبواب كتابه مع الاستعانة بالعديد من المصادر والمراجع لكي يعمق دراسته ويصلها التاريخ الفلسطيني القديم.
** ومن خلال استعراضنا لهذا الكتاب نجد أنه من المراجع المهمة في الأنثروبولوجيا والفلكلور فهو سجل حافل عن حياة البادية وإن كان يعتبر مرجعا وثائقيا للقضاء العرفي عند القبائل العربية كما ان الباحث يستطيع من خلاله المقارنة بين البادية في الجزيرة العربية والبادية في الشام الأمر الذي يؤكد الجهد الكبير والبحث الشامل والمعلومات الدقيقة التي قدمها المؤلف في هذا الكتاب المنبثقة من التجربة الميدانية والمعايشة الحقيقية والقضايا الموثقة ؛ وختاماً لا يفوتني التأكيد على أن هذا الكتاب إنما هو نتاج كتابة المذكرات الشخصية فالتدوين دائما هو الوقود المتاح للتأريخ والتأليف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق