أكذوبة انتساب الترابين إلى قبيلة البقوم الكريمة :
كلنا يعلم أن النسب لأي
قبيلة يبنى على الدليل القطعي الثابت من مصادره الموثقة كمخطوط قديم أو مرجع تاريخي
قديم لا على الظن , وبعكس ذلك سيكون الإدعاء عرضة للنقد , بل للانتقاد ورده بالأدلة
والبراهين . ولفت انتباهي بعض الإدعاءات المحمومة من قبل بعض الغير ملمين بعلم
الأنساب وقد أطلق قديماً عليهم ابن سعد في الطبقات الكبرى حاطب ليل الذي يجمع الغث
والسمين وجاء في العين "3/174"
تقال للمخلط في كلامه وأمره حاطب ليل لا يبصر ما يجمع في حبله من رديء وجيد .
فالترابين في بيانهم الذي وقع عليه أكثر من 65 شيخاً وعيناً ومختاراً يمثلون أكثر
من 20 عشيرة نفوا فيه انتساب الترابين إلى قبيلة البقوم الكريمة . التي بدورها تنفي
انتسابنا لها .؟ وهذا الإعاء لا ولن يستقيم أمام النقد , ولا يثبت اتجاه التحقيق العلمي الصارم خاصة إذا ما
طبقنا المقولة الذهبية للإمام سفيان الثوري رحمه الله المتوفى بالبصرة سنة 161 هـ التي
تنص على : " لما إستعمل الرواة الكذب ، استعملنا لهم ألتأريخ " ، ومن هذا
المنطلق آن الأوان للشروع في تفنيد تلك الأقوال المغلوطة , ورد تلك الأباطيل بالحجة
الدامغة والبرهان بعد ألاستعانة بالله العلي القدير : ظنّ البعض أنّ الترابين من البقوم فأشتبه عليه منازل " عطية جدّ الترابين " في تُربة قديماً
, ووجود البقوم كسكان لها قديماً حتى وقتنا الحاضر , فأشتبه على بعضهم المسميات ,
وتم الخلط في التاريخ والأماكن ,
فقبيلة البقوم أزدية قحطانية النسب , تقع منازلها في تُربة وأطرافها , وأشهر معالمها
جبل حضن , وحرة البقوم , ووادي تربة يحدهم من القبائل العربية من الشمال : قبيلة سبيع
وعتيبة ومن الشرق : سبيع , وبلحارث ومن الغرب
: جبل حضن ومن الجنوب : بالحارث وغامد . , كانت تُرَبَة قديماً من مساكن بني هلال
وعامر بن صعصعة سكن تُرَبَة في الجاهلية العديد من القبائل في أوقات وعصور مختلفة حيث
سكنتها قبائل هوازن , وبنو هلال , وبنو كلاب , والضباب , وخفاجة من بني عامر وقد شاركهم
في سكنها قبيلة البقوم في فترة ما قبل البعثة وبقيت قبيلة البقوم بتربة حتى صدر الإسلام.
وقال رداد ابن ناصر البقمي : " فيما علمت أن اسم تُرَبَة قديم منذ العهود الماضية من عهد بني المحصن , وابن
جندل وملوكهم , وقد عرف اسم تُرَبَة كذلك من عهد العماليق , وهم أبناء عيصو
بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ثم بقيت على اسمها في عهود جرهم , وطسم , وجديس، وآخرهم جرهم , ومضر , وخزاعة , وقريش , وبقيت
محتفظة بهذا الاسم في عهد بني هلال , وبني عامر , وبهذا يتضح لنا أن اسم تُرَبَة
قديم جداً منذ العصور الجاهلية. قال النسابة محمد بن منصور : " قد حذر كبار علماء النسب والتاريخ , من اعتماد
تشابه الأسماء والأماكن , واعتبروا ذلك من مزلات علم النسب , وإن وجود قبيلة من
القبائل اليوم في منازل أخرى من قبائل العرب القديمة ليس في مرجح لإلحاق هذه
القبيلة بتلك لمجرد إننا وجدنا منازل تلك هي ديار هذه في عصرنا , والسبب إن تموج
القبائل في الجزيرة العربية أمر معروف منذ القدم فكم قبيلة كانت في الجنوب , ونزحت
إلى الشمال (1) ومن المعروف ان القبائل متموجة , والديار ثابتة وكون قبيلة تسكن
هذه الديار , أو تلك لا يعد دليلاً دامغاً , أو قاطعاً على نسبتها إلى من سكن هذه
الديار في عصر الجاهلية , أو صدر الإسلام . ومواطن القبائل العربية عند مبحث
الرسول صل الله عليه وسلم معروفة وأستمر ذلك في صدر الإسلام مع تغير طفيف بسبب
الفتوحات الإسلامية ثم حصل تغيير كبير لمواطن القبائل فكثرت الهجرات في القرن
الثالث , والرابع , والخامس وما بعدهما من الجزيرة العربية الى الشام والعراق ومصر
وحصل تغيير جذري لمعالم نجد والحجاز فاختفت قبائل وظهرت قبائل . والبعض يستند
لقصائد قيلت في أوائل القرن الواحد والعشرين في نسب القبيلة وقائلها ليس من أهل
العلم والمعرفة , وقوله , لا يعول عليه عند أهل العم فهو ليس نسابة , ولا مؤرخ . وقد جاء في محكم التنزيل في سورة الشعراء قوله
تعالى : " وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي
كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ
مَا لَا يَفْعَلُونَ . " (2) وعلى ظاهر
الآية ، غالب الشعراء هكذا ، يقولون ما لا يفعلون وفي كل واد يهيمون ، تراه يتكلم هنا
, أو هنا , أو هنا بغير حقيقة، بل أشياء يتخيلها ثم يتكلم فيها أو لحاجات في نفسه , أو لأسباب أخرى . (3) ولرد
تلك الفرية في انتساب الترابين إلى البقوم جاء الرد الساحق من مؤرخ الجزيرة
العربية الشيخ حمد الجاسر الحربي الذي نشر
في مجلة العرب والتي تصدر في المملكة العربية السعودية , وهي مجلة تعنى بتاريخ العرب
وآدابهم وتراثهم الفكري سؤال للشيخ جمعان بن عيد بن جرمي النبعي الترباني حين سأله
عن أصل قبيلة الترابين الذين يسكنون سيناء وما حولها هل لهم صلة ببلدة تُربة
وبقبيلة البقوم .؟ فأجاب بما نصه : "
الذي أعرفه هو عدم صلة هذه القبيلة الكريمة ببلدة تربة ولا بسكانها البقوم وإنما أصلها كما جاء في كتاب الدرر الفرائد المنظمة
في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة " ص 1340 ": أن الترابين , والوحيدات
, والحويطات , والأحيوات من أصل واحد آ.ه " ..الخ فهذا قول باطل لأنه بني على باطل لأنه استند لتحقيق محمد حسن
محمد حسن اسماعيل محقق كتاب الدرر الفرائد للجزيري الذي اضاف من كيسه عبارة طوائف
بني عطية ولم يطلع الجاسر رحمه على أصل المخطوط الذي ينفي صلة النسب ما بين
القبائل التي عددها وما جاء في المخطوط الأصلي الذي كتبه الجزيري بخط يده . التي
لم نجد لها أصل في مخطوط الجزيري الأصلي الذي كتب بخط يده " !! (4) . فمقولة البقوم أول من تطرق هو المؤرخ الفلسطيني
قائمقام بئر السبع ورئيس محكمة العشائر فيها والتي يتواجد فيها قضاة الترابين من النجمات
والنبعات والقصار وهم مشايخ فروع القبيلة الرئيسية في عشرينات وثلاثينات القرن
الماضي وهم : الشيخ حسين أبو ستة , والشيخ
حميد الصوفي , وهم قضاة دموم . والشيخ حمد الصانع , والشيخ نمر الوحيدي , وعبد ربة
أبو الحصين , والشيخ مصلح بن جرمي , والشيخ سلمان العرجاني . فقد ذكر العارف في
كتابه " تاريخ بئر السبع وقبائلها ص
78 " ما نصه : " الرأي الشائع بين الترابين أنّ جدّهم يدعى " عطية
" وهو من الحجاز ومن قريش وقد كانت منازله في تربة شرقي مكة , وهذا هو السبب
في تسميتهم بالترابين ولم أجد من القوم من يؤيد أي رواية أخرى كما أيدوا هذه الرواية
التي تشير إلى أن جد الترابين هو " عطية " وان هذا من قريش . وهناك في
الحجاز قبيلة لا تزال تدعى في يومنا هذا " البغوم " كما أنّ نجمات
الصانع النازلين في الطرف الغربي من بئر السبع يلقبون الآن بالبغوم أو المزارعة (5)
. قلت : اشارة العارف لقبيلة البقوم هي للتعريف بأن جدّ الترابين عطيّة مسقط رأسه
أو ولادته " تربة " وهي من
مساكن قبيلة البقوم . أما قوله أنّ نجمات الصانع أو المزارعة يلقبون بالبغوم .
فهذا لقب لا علاقة له بالنسب اطلاقاً , فكما
هو معلوم عند الكثيرين من سكان قضاء بئر السبع أنّ الطرف الغربي من بئر السبع هو
من مساكن " المزارعة " وهم عشيرة الصانع والشبايبة والدهاينة من النجمات
الترابين ويكثر في هذه المنطقة الخصبة المراعي وتربية الإبل والماشية وهي قوام
معاش هذه العربان من شراء وبيع , وتكثر
فيها تجارة الصوف وهي من المناطق المشهورة التي يتجول بها ممتهني أعمال الدباغة
وشراء مواد الدباغة وبيع الصوف فالمادة التي يستخرج منها صباغ اللون الأحمر هي شجر
العَنْدَمُ ويطلق عليه البدو " البقم " ولا يعتمد
البدو التصحيف في القول فربما أطلق هذا اللقب البقوم نسبة بما أشتهرت به هذه المنطقة من تواجد ممتهني مهنة الصباغ في
هذه المنطقة . فجاء في لسان العرب قال أبو
حنيفة : العندم : هو البقم وهو شجر أحمر يصبغ به الصوف . فكان لنا لقاء بالشيخ عبد الكريم حمد حمدان الصانع شيخ نجمات
الصانع الترابين في الأردن وهو من قضاة العشائر المعروفين وهو من أبناء الشيخ حمد
الصانع قاضي محكمة العشائر في بئر السبع الذي التقى بالعارف في ذلك الزمان وعين فيما
بعد بعد هجرة عام 1948م في الأردن عيناً في
مجلس الملك حسين بن طلال رحمه الله كعضو في مجلس الأعيان الأردني . فسألته عن نسب قبيلة الترابين قال : حسب موروثنا
وما توارثناه عن اجدادنا وما سمعته من والدي ومن المعمرين في عشيرتي " الصانع
" وغيرها من عشائر قبيلة الترابين هي أنّ قبيلة الترابين من قريش العدنانية وهي حجازية الأصل
جدهم يدعى " عطية " ومسقط رأسه هو " تربة " شرقي مكة المكرمة
وأخوال الترابين هم من بني واصل فجدة الترابين صلدم من بني واصل. وقد سألته عن مقولة " الترابين بقوم " فقال : الترابين
ليسوا من البقوم نسباً ولا أساس لتلك المقولة البتة , ولا نقرها نحن عشيرة الصانع ولا
يقرها الأغلبية من الترابين ولم اسمع أحد من كبارنا في ذلك الوقت وحتى الآن انه تبناها
, وسألته عن " بني عطية " وصلة القربى بينها وبين قبيلة الترابين !؟ قال : بني عطية من القبائل العربية الكريمة ولا
تربطها بقبيلة الترابين أي صلة نسب لا من قريب ولا من بعيد وأردف قائلاً : لو كان هناك
صلة نسب لبني عطية والترابين لوجدت من بيننا الآن عشائر منهم تمت بصلة القربى لهم ولكن
الترابين من دون قبائل بئر السبع لا وجود لعطوي واحد بينهم بل يتواجد بعض من الأحلاف من قبائل أخرى كالرواجيد من
المساعيد مع النعيمات النجمات الترابين وكالفايدي مع الصوفي النجمات الترابين وابو
مريفة من حويطات الحجاز مع غوالي الزريعي . وهذا تحالف معروف قديماً بين القبائل ومنتشر في جميع القبائل العربية
دون استثناء في الجزيرة العربية , وشرق الأردن وسيناء وجنوب فلسطين والاحلاف كانت موجودة
قديماً كحلف الراية وحلف المجاورة وحلف المشيخة والحديث عنها يطول , وسألته عن وثيقة
الترابين التي وقعت في غزة قبل عامين والمتوشحة بتواقيع شيوخ ومخاتير ووجهاء وأعيان
القبيلة والتي تتحدث عن " قرشية الترابين " قال : مشايخنا في
فلسطين لهم منا كل الاحترام والتقدير وما سطروه في وثيقتهم نؤيده , وهو ما نقره نحن
وما توارثناه من اجدادنا واضاف إن مؤرخ فلسطين قائمقام بئر السبع آنذاك دون ذلك من
افواه مشايخنا قبل اكثر من ثمانون عاماً وقولهم الحق . قلت : جميع المغالطات في نسب
قبيلة الترابين ظهرت في الكتابات المتأخرة جداً وناقضت ما ذكر في كثير من المراجع التاريخية
المعتبرة . وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار
إلى دليل , فها هو مؤلف كتاب الترابين بين
الأمس واليوم لمؤلفه الأستاذ أحمد بن عوده بن مسلم بن زايد بن جهامة النبعي
الترباني وهو من ترابين جمهورية مصر العربية ينطق بالحق بقوله : " أحب أن اوضح رأيي
الخاص بأصل القبيلة بناء على المستجدات السابقة أنه من الأقرب والأوضح أن جدنا
" عطية " هو من قريش , وهذا الرأي نظراً لما ذكرته في هذا الملحق الذي
كرمني الله أن الحقته بكتابي قبل طباعته بأيام قليلة إن كنت أصبت فهذا كرم من الله
وإن اخطأت فهو مني والعلم عند الله ." (6) فهذا دليل عدم اقتناع المؤلف
برواية أنتساب الترابين إلى البقوم . فمعظم المغالطات في نسب قبيلة الترابين ظهرت
في الكتابات المتأخرة جداً , فابتدأ بها مؤلف ظنّ كل من سكن تربة بقمي فتناقلها
الآخرين من الهواة في القرن الواحد والعشرون , والذي ألف ذاك الكتاب ألفه على قلة بضاعة
في علم النسب , فكتب الأنساب القديمة وكتب التاريخ والبلدان لم تذكر أنتساب
الترابين بنصٍ صريح لا إلى البقوم , ولا
إلى جذام , ولو غربل أصحاب الهوى جميع تلك المصادر من كتب التاريخ والأنساب
والبلدان لن يجدوا شيئاً مما يروجون له , فجميع المصادر القديمة أشارت لقرشية
الترابين فقط نقلاً عن لسان مشايخ الترابين في ذلك الوقت . قال
العلامة المحدث الألباني رحمه اللّه : " ندور مع الدليل حيث دار ، ولا نتعصب للرجال
، ولا ننحاز لأحد إلا للحق " (7)
________________________________________________
(1): قبائل الطائف
وأشراف الحجاز ص119
(2): سورة الشعراء من
الآية 224-226
(3): فتاوي الشيخ ابن
باز رحمه الله
(4):مجلة العرب ج1,2-
رجب / شعبان 1405هـ الموافق نيسان / أيار / مايو 1985م
(5): تاريخ بئر السبع
وقبائلها ص 78 , القضاء بين البدو ص 73
(6) : الترابين بين
الأمس واليوم ص , 28 د
(7) :التوسل أنواعه وأحكامه 48
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق