القضاء عند البدو الجزء الثاني - هنا الترابين

عاجل

مدونة تهتم بتراث وعادات وتقاليد قبيلة الترابين

الأربعاء، 24 أغسطس 2016

القضاء عند البدو الجزء الثاني


القضاء عند البدو الجزء الثاني : 

العقوبات : والعرب يدعونها الحق فمنها حق الشتائم وحق البيت وحق الوجه , وحق الدخيل , وحق الطنيب , وحق القصير , وحق العرض ..الخ وقبل ان نذكر شيئاً من هذه العقوبات , يجمل بنا ان نأتي على ذكر عواطف الشفقة والحلم التي تغلب عند عرب البادية مرات على حب الانتقام , وتحملهم على الصفح . 
عقوبات اهل القوارع والشتائم : يعسر على البدوي احتمال ادنى شتيمة , لأن العرب طبعوا على حب المجد والشرف , لذلك هم يعدون الشتيمة اشد تأثيراً من حد السيف وقد تثير الشتائم الحروب في البادية , وتحمل المشتوم بل وأهل المشتوم أيضاً على الأنتقام فقد تصل عقوبتها في القضاء العرفي حد "قطع اللسان " او ان يفتدي لسانه بغرامات باهضه , حتى البصق في الوجه احدهم وصل حد عقابها ان تحلق لحية الباسق الى نصف الذقن فقط ويبقى النصف الآخر وحتى الشتيمه وصلت حداً ان يدفع الشاتم للمشتوم فرساً او سيفاً او بعيراً عن كل شتيمة .
حق البيت : بيت الشعر في البادية وان كان خربوشاً , هو رفيع الشأن عظيم الاكرام عند العرب , ومن اهان اصحابه النازلين فيه , لا بل هو اهانة للعشيرة كلها وله حرمة وحدود متعارف عليها تقدر بـ 30 متراً من كل جانب من جوانب البيت ومن تعدى عليه نال جزاء تعديه إهانة وعذاباً , وهم يعدون اهانة تكسر شرف البيت تلك التي تحصل بين بدويين يتخاصمان في بيت حتى يصل بهما الخصام الى المسيئات والشتائم او رفع الاسلحة , فالبيت يطلب حقه , واذا اهين صاحب البيت في بيته , فالبيت وصاحبه كسر شرفهما , وصار على الشاتم حقان حق البيت وحق صاحب البيت وبعض العربان ان من ازدرى بالبيت واحتقره , فقد صنع ذلك على نحو الأحياء النازلين به , بل تعدى الاهانه الى اجدادهم وأمواتهم , فأهانة البيت يحاكم عليها امام القاضي , فينتصب المدعي وهو صاحب البيت في وسط الجماعة ويقول : " ويش بك يا قاضي العرب , يا حامي النسب , بفلان اللي كسر شرفي بقوله كيت وكيت , وأهانني في عشيرتي , وبحضور جماعتي , وأهان ضيفي وحقي تبييض وجهي " ثم ترد الشهود وتشهد على صحة مدعاه , فينتصب القاضي ويقول : أنا من عندي ومن عند القضاة الذين من قبلي , فلان كسر شرف البيت وأهان صاحبه وضيفه ثم يحكم عليه بدفع عشرين ناقة وخمسين نعجة لصاحب البيت ومبلغ مالي لضيفه المهان فيقول المخطي : نعم انا مستعد وأمرك يا قاضينا فوق الراس والعين , وبعد ذلك يقوم احد المشايخ الحاضرين ويقول لرب البيت حقك على الراس والعين ولكن من شأن الشيخ فلان دع له خمس نياق فيقول : من شان خاطرك وخاطر السامعين تركت ما تريد , ثم ينتصب شيخ آخر ويقول : يا شيخ من شان الحاضرين ورحمة والديك كذا وكذا ولله ولرسوله كذا وكذا فيقول : تركت ما طلبت وهكذا الى ان يصبح المطلوب سهلاً وخفيفاً , ثم يبيضون وجه رب البيت المحكوم له وذلك بأن ينشروا له رايات بيضاء يحدد عددها وراية يطوفون بها حول الخيام وهم يقولون ( راية فلان بيض الله وجهه ) .
حق الوجه: الوجه عند العرب هو الكفيل الموكل باجراء ما يتفق عليه فريقان من فعل خير او اتقاء شر والوجه لا يخون صاحبه أبداً ولو فقد ماله وحياته , فإذا باع امرؤ ارضاً أو فرساً او غيرهما من الاشياء يقول البائع للشاري " ترى بعتك بوجه فلان ان طلبتها ادفع كذا وكذا عقاباً على ذنبي " واذا تشاجر اثنان ثم تسالما يقول الواحد لصاحبه " ترى بوجه فلان تصالحنا ومن اضر قريبه لا يلوم الا نفسه " واحياناً لفض شجار يتم رمي وجوه على الفريقين فيكف الفريقان عن الشجار فتقطيع الوجه مصيبة عظيمة في القضاء العرفي , وبعضهم اذا اودع وديعة وخاف عليها من السرقة يقول المؤتمن عليها " ترى فلان وجهه عليك " فمن تعدى على صاحبه في مثل هذه الأحوال يجد امامه اعداء كثيرين بسبب الوجه , لن العشيرة كلها تقوم مع الوجه يداً واحدة والمعتدى عليه يلتجيء الى الوجه ويقول له : " يا شيخ قد صار الأمر الفلاني بوجهك , وخصمي فلان تعدى علي وقطع وجهك , فبيض وجهي ووجهك " فيجمع الوجه مجلساً مؤلفاً من قاضي عشائري مختص بتقطيع الوجه والقضاة المعروفين ويرسل مرسالاً ليأتوا بالمعتدي , فيقص الوجه قصته على الحاضرين , والمعتدي في اثناء ذالك راكع والعقال في رقبته دلالة على التذلل , ثم يحكم القاضي على المعتدي غرامة باهضة لا يقوى على حملها لتكون عبرة له ولغيره ممن يتلاعبون في الوجه .
حق الدخيل : الدخيل عند العرب هو الرجل المستجير الخائف من أمر دهمه أو سيدهمه , فيعمد الى شيخ كبير قوي يستغيث به ويطلب حماه ويقول له : " أنا دخيلك احمني وأرحمني " ورب مستجير يأتي في الليل ويرتمي على فراش الأولاد في خيمة الشيخ ويقول بصوت متقطع وحزين " انا بحضارك , وموقد نارك , أنا داخل عليك من السيف والحيف ومن فلان صاحب الحق الردي " ثم يبسط له سبب اعتصامه به . فيقول له الشيخ : " ابشر بالعز والهناء وعش في ديارنا ويامرحبابك " ثم ينزع غطاء رأسه ويضعها على راس الدخيل ويقول له : " لن ينزع أحدهم من رأسك شعرة " وحينما يقبل الشيخ الدخيل في منزله يرسل رسلاً الى عدو الدخيل ويخبروه أن " فلان دخل في بيتي احذر أن تصيبه بأذى " فيجيب الرجل : " أطلب خصمي الى القضاء فيقول من قبل الدخالة : " أعطه عطوة " والعطوة عن البدو " هدنة من الزمان يمتنع فيها العدو عن الانتقام الى ما بعد التقاضي , وهذه الهدنة تكون عند بعض العشائر اسبوعين وقد تمتد عند غيرها الى اكثر من ذلك , ومعظمها شهران وفي اثناء العطوة يرسل من قبل الدخالة وفوداً الى عدو دخيله ثلاث دفعات متوالية , مستخدماً الوعد تارة والوعيد تارة أخرى حتى يقبل وينثنى للحق الذي بحكم به الاجاويد أو أو القاضي , وان ابى الا الانتقام وأخذ الثأر بيده , يجمع الشيخ فرسانه الشجعان ويقودهم الى منازل العدو فيسلبون ما يجدونه هناك من المواشي ويقودونها الى ارض قاحلة لا مرعى فيها فيضطر حينئذ الى المصالحة , وان اصر على عناده تموت اغنامه وهي رأس ماله فيصبح فقيراً ولا يحق له ان يطالب صاحب الدخالة بشيء لانها تحسب عقاباً له وهي حق الدخيل . 
حق الدم : السنة عند العرب هي : " الدم يطلب الدم " على ان من لا يقدر على أخذ ثاره يطلب الدية , وقاتل المرأة العذراء يدفع اربعة اضعاف دية الرجل , لأن المرأة انسان ضعيف وقتلها جرم كبير على الرجل واهانة ومذلة له بين العربان , فإذا ذبح شخص آخر يسعى حالاً في الجلاء والاحتماء بظل شيخ كبير بمعقله هو وخمسته خوفاً من ان يقتل وفقاً لسنة الانتقام العاجل التي تعطي اهل القتيل حقاً مدة ثلاثة أيام أن يأخذوا بثارهم بذبح القاتل وأهله وهدم بيته وسلب ماشيته , فالشيخ المجير يلتزم ان يبذل جهده وطاقته لتخليص القاتل من طائلة هذا الانتقام , ولو كان القاتل المستجير من اعداء العشيرة , أو عدواً أو قاتل ابنه أو أحد اقربائه , لأن الشهامة عند العربان تحتم عليه ان يحامي ويدافع عن عن الضعيق المستجير , اذا وصل المستجير امام الخيمة وقال لصاحبها " أنا دخيلك " أو تمسك بأطناب البيت او وقف امام الخيمة فقط عد دخيلاً , وان قتله أحد خارج الخيمة قبل ان يبلغها وكان المدى بين مكان وقوعه قتيلاً وبين الخيمة التي اتى ليستجير بصاحبها لا يتجاوز رمية عصا , فقاتله يضطر الى دفع دية الدم وحق الدخالة , وعندما ينزل القاتل عن فرسه يذهب فوراً الى فراش الشيخ ويجلس عليه ويقول " أنا دخيلك بعيالك وحلالك , من الحظ المنكود , والسيف المجرود , والظالم الحقود , والكاذب ماله مولود " فيجيبه الشيخ : " يا هلا , ابشر بالعز وطيب المنزل " عند ذلك لا يهتم القاتل بشيء بل يعيش بصفاء , والسعي كله يعود الى المجير , فيرسل البعثات المتتاليه الى اهل القتيل كي يقبلوا المصالحة ويأخذوا دية الدم , وعلى انهم يرفضون الصلح دائماً في اول مرة , ويطلبون الدم بالدم , ويذكرون الدم المهدور الصارخ الى السماء , الطالب الأنتقام , فيعود الوفد الأول خائباً والمجير لا ييأس من هذا الجواب المؤلم لأن هذه العادة عند العربان , فيعيد الكره بعد ايام مرسلاً اليهم وفداً اكبر كي يصلحوا ذات البين ويأخذوا الدية , فيرجع أيضاً الوفد الثاني مكسور النفس وفي غالب الاحيان يصير الصلح بعد المرة الثالثه لان العرب ترتفع بهم العواطف النبيلة اذا شاهدوا كبراء البيداء متذللين امامهم , ولكن ان ابى اهل القتيل المصالحة بعد المرة الثالثة فتلك دلالة على انهم لا يريدون الا الانتقام , ويجب على القاتل حينئذ ان يهرب في ظلمات الليل الى بلاد بعيدة ويعتصم بقبيلة شهيرة , والذين تصيبهم سهام الانتقام هم اهل القاتل واقربائه الى الدرجة الخامسة أي أبو القاتل وجده واولاده واولاد اولاده واعمامه وابناء اعمامه , أما الاباعد من العشيرة كأبن العمة وابن الخالة ونحوهما فلا يؤذى بضرر بل يقدم لاهل القاتل بعيراً يسمى عندهم " بعير النوم " ويبقى في خيمته غير خاش صولة الاعداء . 
حق الطنيب : ويدعى ايضاً حق القصير , والطنيب تصغير الطُنبُ وهو حبل بيت الشعر وعند العرب الطنيب هو الجار المستجير , ويعتبر طنيباً اذا علق بعض الآت صناعه على طُنب من أطناب الخيمة , ومنهم من يكتفي بالكلام فقط فيقول : " يا شيخ يا أبو فلان أنا طنيبك " فيقول : " ياهلابك " فمن العربان من يترك عشيرته وبيت ابيه فيحمل خيمته ويرفعها الى جانب بيت شيخ عظيم مهاب الجانب ويكون ذلك اذا خشي عدواً لا يقدر على مقاومته او وجد ضده عدداً وافراً من الأعداء لا يستطيع منازلتهم , أو قدم طلباً للرزق والشغل عنده وفي حراثة ارضه , فما من أحد يرغب في مجاورة شيخ غريب عن عشيرته ووطنه الا ان يكون ضعيفاً أو فقيراً , ويقول العارفون بعادات العرب ان الضعيف يسمى عندهم ضيفاً مدة ثلاثة أيام وأن طال مكثه عٌد طنيباً , وكم من قاتل مثلاً نزل بالقرب من شيخ كبير في بلاد بعيدة عن وطنه فسمي باسمه وتطبع بطبائع عشيرته وقد نسي أصله ونسبه بعد طول الزمان . وكان قديماً قيام بعض التجار بالنزول في خيام بالقرب من عربان بعض المشايخ او عند احد المشايخ ليبيعوا بضاعتهم من ملبوس ومأكول , فيصبح شأنهم شأن طنيب هذا الشيخ فيحافظ على سلامتهم ويقوم الشيخ بتحصيل ديونهم من المديونين , واذا اعسر المديون وامتنع عن الدفع يضطر الشيخ نفسه الى الدفع كي يبيض وجهه أمام هؤلاء , وإذا سرق شيء من القصير , فعلى الشيخ ان يسعى باسترداده له .
حق العرض : البادية بلاد تنحت عن المنكرات , وهي في هذا الباب أشرف من المدن المتمصرة حيث يظهر المنكر ظهوراً جلياً , فالنساء في القفر عفيفات يتجنبن الطرق السافلة وابواب المحرمات فهن يعرفن العاقبة , وقد تسير المرأة البدوية وحدها في البادية ترعى الإبل والماعز , ولا يعارضها أحد أو يعتدي عليها , الفتاة في البادية تخاف من العار والهوان , لأن البيداء لها آذان تسمع وعيون تنظر , فلا يخفى فيها خافٍ , ولا يوجد فيها سر مكتوم , وهناك قول مشهور : " إن أهل البادية كالمشرفين على رأس الجبل , يراقبون الحركات والاشارات الخفية , ومن وجد جرم فظيع في بيته قد تحرق خيمته وينشر رمادها في الهواء " ولقد اتخذت وسائط فعالة لمنع الفواحش , فإذا احسن أب بجرم ابنته قطع رأسها وعلقه على رمح ويطوف به في كل القبيلة قائلاً : " هكذا يعاقب المجرم " ومنهم من يئدها حية , ومنهم من يسقيها السم ...الخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق