صفحات من تاريخ بئر السبع بقلم : م غسان محمود الوحيدي - هنا الترابين

عاجل

مدونة تهتم بتراث وعادات وتقاليد قبيلة الترابين

الجمعة، 27 مايو 2016

صفحات من تاريخ بئر السبع بقلم : م غسان محمود الوحيدي


[ صفحات من تاريخ بئر السبع ]
بقلم: م. غسان محمود الوحيدي
غزة هاشم­ فلسطين
_________________

الأمم الحية هي التي تتمسك بتاريخها, وتحافظ على تراثها, وكلما التفتت إلى الماضي, 
,وجت فيه زاداً طيبا لتسير في طريقها على هدى, فتغذ السير في حياتها, لتدرك سبل النجاح, ودروب الرشاد.
ولم يعد التاريخ مادة للتسلية, ولا تسجيلا جامدا للحوادث, في اطار انتصارات أو هزائم, 
دون ان تكون لدينا ملكة فقه التاريخ, فأخذ العبرة منه والعظة.
ونحن أهل فلسطين لنا مع التاريخ حكاية, وحكاية فلسطين و قضية فلسطين التي لم تنته بعد, والظلامة
التي لم تحل, هي قضية العالم بإنسانيته, والعرب بنخوتهم ووشائجهم, والمسلمين بعقيدتهم, تلك القية التي
لا فكاك لأي إنسان منها , مهما كان دينه أو لونه أو جنسه أو وطنه.
وقضية فلسطين قضية متشعبة, وما يهمنا في هذه السطور هو تسليط الضوء على شريحة كبيرة , وجزء
هام من نسيج الشعب الفلسطيني, ألا وهم بدو بئر السبع, الذين ظن بعضهم أنهم فئة تعيش على هامش
الحياة, وتهيم في الفيافي والقفار, يرتحلون طلبا للكلأ والماء, وهم في الواقع ليسوا كذلك, بل هم قوم
توطنوا ديارا, وعرفوا استقرارا, واختلطوا بأهل المدن والقرى من حولهم.
فكانوا ينخرطون في القتال دفاعا عن الوطن, وكانوا يتعاونون مع الدولة لحماية حدودها في الصحاري
الممتدة, ويؤمنون الحجاج عبرها والمسافرين, وينقلون المونة ومواد الصناعة لأهل المدينة.
اختلطوا مع باقي شرائح فلسطين في المستويات جميعا, وتفاعلوا معهم سياسيا, واجتماعيا واقتصاديا,
وتلك حقيقة واضحة لا تنكر.
وقد كتب تاريخ فلسطين, ووضعت كتب وموسوعات في هذا الباب, بيد أن تاريخ تلك البقعة من فلسطين
والمسماة بالنقب وعاصمتها بئر السبع والتي تشكل 46 %من مساحة فلسطين, ولعل الكاتب الوحيد الذي
تناولها بالدراسة المفصلة, هو عارف العارف الذي شغل منصب قائمقام بئر السبع حتى عام 1939م,
ووضع كتابين عنها, هما: تاريخ بئر السبع وقبائلها, والقضاء بين البدو, ومهما قيل في العارف وكتبه, فقد
أدت دورا مهما في تأريخ المنطقة.
ولما كان التاريخ سلسلة لا تنتهي, وبحث لا يتوقف, لأنه يدور مع حركة الإنسان, فإن تاريخ أي بلد لابد
له من مراجعة دائمة, ليحيا مع أهل البلاد.
وكان في بلادنا فلسطين صحف ومجلات تنشر في القدس ويافا, مثل جريدة فلسطين والدفاع والبشير
وغيرها, وكلها حفلت بمعلومات عن فلسطين عامة وبئر السبع خاصة, توفرت مؤخرا على مواقع الشبكة
العنكبوتية, فنهض لها باحث همام, ومدقق قدير, و راح يبحث في بطونها وينقب, فصار يطلع علينا بين
الحين والآخر بمعلومات وفيرة عن بئر السبع أرضا وإنسانا وأحداثا.
ذلك البحاثة الأخ إسماعيل عياد من سكان العقبة في المملكة الأردنية الهاشمية, وهو من قبيلة الترابين
العريقة المعروفة, الذي عمل وما زال يعمل بجد واجتهاد, ليستخرج من تلك البحار لآلئ, فإذا به
يستخرج تاريخا مخفيا, وينشر صفحات مطوية, لم يطلع عليها أحد, أو عرف عنها باحثون, ولم تنشط
عزائمهم ليستخرجوا فرائدها.
لقد استخرج مادة عن بئر السبع من صحف يومية وأسبوعية سيارة كانت ترصد أحوال البلاد, والأحداث
التي عصفت بفلسطين, فاذا بهم يثورون دفاعا عن وطنهم, ويسجن الشرفاء, ويستشهد منهم الأبطال.
وفي مجال آخر نجدهم يثورون على ضريبة (الويركو) التي أثقلت عليهم, ولكنهم لم يستسلموا, لجبروت
الانتداب البريطاني.
وترصد الصحف المحلية حدثا فريدا, إذ عقد بدو بئر السبع مع إخوانهم من بدو سيناء, مؤتمرا لوضع حد
للغارات التي كانت تسود المنطقة, وبذلك أرسو قواعد السلام والأمن, لتدخل المنطقة كلها في مرحلة من
الأمن والأمان.
ونجد لهم توصيات ترفع للمسئولين لزيادة راتب موظف في محكمة بئر السبع, ويتفاعلون مع الانتخابات
في غزة, ليتقدموا بعريضة للمسئولين يطالبون فيها بتعيين رشدي الشوا رئيسا لبلدية غزة.
ويوثق لأول رئيس لبلدية بئر السبع, وظروف استقالته.
ويتابع سباق الخيل في بئر السبع, الذي كان أشبه بمباريات كرة القدم, فترى المشاركين والمشجعين,
ويسرد لنا قائمة بألقاب الخيول المشاركة, وأسمائها.
ويرصد خبر نزاع بين شيخ من بدو, مع أحد الأفندية المشاهير فيها, ليتقدما معا إلى القضاء الحكومي.
وينشر خبرا عن توجه مجموعة من بدو السبع لنجدة إخوانهم في القرى المجاورة الذين تعرضوا
لاعتداءات العصابات الصهيونية في حينه.
وغيرها الكثير من المعلومات الجديدة, لسنا بصدد استعراضها كلها.
لقد رصد الباحث إسماعيل عياد مادة غنية تصلح لإعادة كتاب تاريخ المنطقة, كتابة موثقة غنية
بالمعلومات, وهو بصدد عمل كهذا, نتابع جهده وعناءه بتقدير و إكبار, فالمهمة التي تطوع لها, ونذر
نفسه لها, مهمة صعبة وشاقة, ولكن أبا علاء لها, وهو إن كان يعنى بمعلومات عن قبيلة الترابين العريقة
والعظيمة, تلك القبيلة التي تعد أكبر قبائل فلسطين عددا وأغناها أرضا, فإنه لم يختصر جهده عليها, بل
امتد ليكون وفيا لأهل السبع كلهم, ولأبناء البادية فيها على تنوع قبائلهم, واختلاف عشائرهم, يشيد بكل
منقبة لهم, مهما كان صاحبها, ويتغنى بأمجادهم, مهما كان مصدرها.
والأخ الباحث إسماعيل عياد هو بحق مؤرخ الترابين بلا منازع, وهو لهم كالباحث راشد الاحيوي
للمساعيد, وكالباحث فائز البدراني الحربي لقبيلة حرب في الملكة العربية السعودية.
وإذا كان العرب في جاهليتهم يحتفلون بظهور شاعر من قبيلتهم, ليتغنى بأمجادها ومحاسنها, ويفخر على
غيرها من القبائل, فإن المؤرخ الأمين المنتمي لقومه, ما زال يقوم بتلك المهمة, وإنا لنجزم بأن أخانا أبا
علاء هو مؤرخنا, وشاعرنا بالمفهوم العربي القديم.
إن الإشادة بجهد الأخ أبي علاء والشهادة له قد تكون شهادة مخدوشة كما يقولون, لقرابة تربطني
بالباحث, ولكنها وأيم الحق, شهادة صدق, لرجل صادق معطاء, أضناه البحث والتنقيب, وبذل جهدا لا
يقدره إلا من عرفه, لأنه كما قيل:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
وكنا نتوقع أن تقوم مؤسسات وطنية باستخراج تلك المعلومات وارشفة مادتها, لتجعلها في متناول
الباحثين والدارسين, لإعادة كتابة تاريخنا, من واقع التوثيق الرسمي, وكم يصرف في مؤسساتنا من
أموال, كنا نتمنى أن يوجه جزء منها, لخدمة هذا الجانب من البحث التاريخي والعلمي.
ليت المشرفين على البحث العلمي في جامعاتنا الوطنية, أن يوجهوا عناية طلابهم, للبحث في تلك
الصحف والمجلات, متناولين ما فيها من معلومات بالدراسة والتحليل, لتظهر في اطار رسائل ودراسات
عليا كالماجستير والدكتوراه, لنرفد المكتبة التاريخية الفلسطينية بالكتب النافعة والمفيدة.
وبعد عشرات السنين من اقتلاعنا من أرضنا نقول للمغتصبين: إنهم إن أفلحوا في اقتلاعنا من أرضنا,
لكنهم لن يستطيعوا أن يقتلعوا أرضنا من أعماقنا, فنحن ما زلنا نتذكر, ونعود للماضي, ونسترجع تاريخا
مجيدا, لتظل فلسطين كل فلسطين في القلب وفي العيون, وسنظل نردد مع الشاعر أبي سلمى قوله:
تناديني الســـــفوح مخضبات وفي الآفــاق آثار الخضــاب
تناديني الشـــــواطىء باكيات وفي سـمع الزمان صدى انتحاب
تناديني الجداول شـــــاردات تســــير غريبة دون اغتراب
تنادينــي مدائــنك اليتــامى تنـــــاديني قراك مع القباب
ويســــــألني الرفاق ألا لقاء وهل من عــودة بعد الغيــاب
أجل .. ســــنقبل الترب المندى وفوق شـــفاهنا حمر الرغاب
غداً ســنعود والأجيال تصــغي إلى وقع الخـطى عــند الإياب
نعود مع العواصــف داويــات مـع البرق المقدس و الشـهاب
مع الأمل المجنح والأغــــاني مع النســــر المحلق والعقاب
مع الفجر الضحوك على الصحاري نعود مع الصــباح على العباب
مع الرايات دامية الحواشــــي على وهج الأســــنة والحراب
ونحن الــــثائرين بكل أرض ســـنصهر باللظى نير الرقاب
تذيب الـــقلب رنـــة كل قيد ويجرح في الجوانـــح كل ناب
أجل !.. سـتعود آلاف الضـحايا ضحايــا الظلم تفتح كل بـاب
ونردد مع الشاعر هارون رشيد:
سنرجع يوماً إلى حينا
ونغرق في دافئات المنى
سنرجع مهما يمر الزمان
وتنأى المسافات ما بيننا
فيا قلب مهلاً ولا ترتمي
على درب عودتنا موهنا
يعز علينا غداً
أن تعود رفوف الطيور ونحن هنا.
وسنظل مسكونين بالأمل, أمل العودة والرجوع إن شاء الله.
ونحن إذ نثمن عاليا للأخ الباحث جهوده المباركة في خدمة تراثنا وتاريخنا, ليظل تاريخا عبقا متوهجا,
ونشكره على ما يبذل من وقت في سبيل ذلك, له منا تحية المحبين, وسلام الشاكرين المقدرين.
نقول: حق للترابين خاصة ولأبناء بئر السبع عامة أن يفاخروا بباحثهم الكبير على تلك الجهود القيمة,
والخدمة الجليلة لتاريخهم وتراثهم, آملين أن نراها في كتاب مطبوع لينتفع به طلاب العلم و المعرفة,
والباحثون عن الحقيقة, ولتتزين مكتباتنا الوطنية بعقد يطوق جيدها بلآلئ المعرفة.
" نقلاً عن دنيا الوطن "
جميع الحقوق محفوظة لدنيا الوطن © 2003 ­ 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق