أرض السر تقع على حدود بئر السبع الشرقية وكانت تسمى " أراضي السر " وتبلغ مساحتها ستة وثلاثين ألف دونم وهي من الأراضي الخصبة هذه الأرض كانت سبباً لإثارة الفتن والمنازعات بين العرب منذ خمسة وعشرون عاماً حتى ادى الأمر الى تدخل الحكومة العثمانية ووضع يدها عليها بعد أن زهقت بسببها نفوسٍ كثيرة من العرب في الحرب المعروفة عندهم بحرب التياها والترابين , فقام الترابين نجمات الشبايبة والصانع والعزازمة بفلاحتها في مواسم عديدة لزراعة الحبوب وتغاضي الجند عن ذلك فهي بجوار معسكرات للجيش العثماني , تجعلهم في وضع التدخل السريع في حالة بروز اي نزاع بين البدو حولها وبقي الحال كذلك الى أن إنهزم الجيش العثماني في الحرب الكونية الأولى عام 1917م فأستولى الإنجليز على ثكنات الجيش العثماني ولم يتم التعرض للعربان , وأصبح وضعها كما كان في العهد العثماني فهي خاضعة لسلطة الإنتداب المباشره لتمركز الجند في معسكرات العثمانيين السابقة بالقرب منها , وفي 13 صفر 1344هـ الموافق 22 ايلول 1925م قامت حكومة الإنتداب بتسهيل مهمة السماسرة لمحاولة شراء هذه الأرض بواسطة سماسرة إنجليز وعرب اتو خصيصاً لهذه الغاية من خارج قضاء بئر السبع يعملون لصالح الصهاينة بعد أن رفع بعض الصهاينة قضية للإستيلاء عليها في المحاكم , بحجة امتلاكهم 1200 دونم حصة الشيخ علي بن خضيرة , شقيق الشيخ عيد بن خضيرة والتي رهنها لشخص من عائلة البطارسة من سكان بيت لحم , وقد سمحت حكومة الأنتداب لهم بالأنتفاع بتلك الأراضي لحين صدور قرار من محكمة الأراضي بذلك فقام السمسار سليمان الزرباوي ومساعده سليم البطارسة الوصي على تركه الراهن المتوفي " البطارسة " بالقدوم للأرض وعرض سعر الدونم الواحد بجنيه مصري , وكان نصيب السمسار سليمان الزرباوي ربع جنية على كل دونم يتم بيعه , فأحضروا معهم الآت لحراثة الأرض بحجة الملكية فتم طردهم والأشتباك معهم وطردهم من الأرض من قبل عشائر النجمات الترابين وعشائر العزازمة وقد عرض اليهود على السماسرة الرغبة في الشراء بشريطة أن يتم ذلك عن طريق محكمة الأراضي , وعرض على من يقومون بفلاحتها مبلغ اربعون جنيه مقابل تركها , الا إنهم رفضوا ذلك ! وارض السر متاخمة لاراضي بلدية السبع فأخذت الحمية الوطنية والغيرة وجهاء ومشايخ الترابين فشكلوا لجنة منهم عهدوا اليها بتقسيم هذه الأراضي اسهماً وجعل ثمن السهم الواحد هو خمسة دونمات بـ خمس جنيهات كما دفع اليهود فأكتتب عشائر نجمات الصانع والشبايبة وعشائر العزازمة جميع الأسهم , وتم سحب البساط من تحت اقدام اليهود ورد دين ورثة سليم البطارسة , وأنشد الأهالي اناشيدهم الوطنية : نحن لا نرضى اليهودا .. وبلفور وعوداً .. لو سكناها لحوداً .. ما قبلنا أن نضام .. فتم شراء تلك الأرض وتقسيمها كما اسلفنا وهنا تشير وثيقة مؤرخة بتاريخ 4/1/1327هـ الموافق 22/6/1928 انه تم تقاسم كامل قطعة الأرض بين العزازمة ونجمات الشبايبة والصانع الترابين وتم صياغتها بشروط تحفظ للطرفين حقوقهما , واليكم محتوى الوثيقة : بتاريخة نحن الموقعين ( اختامنا المذيلة ادناه ) الحاج حسين أبو شباب وجماعته وحماد الصانع وجماعته من عرب الترابين وسليمان ابن جخيدم ومسلم ابن خضيرة وجماعتهم من عرب العزازمة حيث قد صار اتفاقنا نحن الفريقين على قسمة اراضي السر وتخصص الى القسم الأول وهم الترابين ربع مساحة الأراضي المذكورة من جهتها الشرقية الشامية وتخصص الى الفريق الثاني ثلاثة ارباع مساحة كامل الأراضي المذكورة كما هو موضح ذلك في سند المحكمة المؤرخ في 22 حزيران 1347هـ فعليه نقر بصحتها واختيارنا نقر ونشهد على أنفسنا ما يأتي وهو اذا حل أحد خلافنا نحن الفريقين واقام دعوى وطالب بأخذ حد من اراضي السر المذكورة والمبين حدودها اعلاه سواء كان ذلك من حصة الترابين او من حصة العزازمة ففي بادي الأمر يكون كل منا نحن الفريقين ملزومين ومتعهدين ان ندافع عن الأرض وندفع المصاريف التي تلزم وبعد ذلك اذا ان المدعي والمطالب حصل على حكم وأخذ جزء من تلك الأرض وصار اخذها فعندها يحق للفريق الذي تكون ارضه راحت للغير ان يرجع ويستد مقدار من اراضي الفريق الثاني باختيار المرابعه في الأراضي المذكورة بدل الأرض التي تكون راحت للغير لكي تكون الحصص متساوية بين الفريقين الى ربع الترابين وثلاثة ارباع الى العزازمة بلغ ما بلغ زيادتها او نقصانها واشعاراً بذلك نحن اذنا بتحرير هذا السند نسختين لتحفظ بيد كل فريق نسخة لاجراء العمل بموجبها عند اللزوم تحريراً في 22 حزيران 1348هـ نقر بما فيه صحيح وكانت التواقيع باسماء السادة مع حفظ الألقاب : محمد ابو شباب وحسين ابو شباب وجمعه ابو شباب وحماد الصانع وعمران ابو رواع وناصر بن عوده الدهيني ( ترابين ) وسليمان ابو الخيل ومسلم بن خضيرة وسالم حسن ومحمد ابو اسماعيل ( عزازمة ) وغيرهم فهذه الأراضي لأهميتها وخصوبتها كانت محط اطماع الصهاينة فحاولوا مراراً بتواطيء من حكومة الإنتداب بارسال جيوش من السماسرة لإغراء مالكيها من أجل بيعها وذهبت محاولاتهم ادراج الرياح وكانت هذه الأطماع سبباً مباشراً في إنشاء جمعية البدو العربية التي قام بتأسيسها الشيخ عبد الرزاق ابو سته والوطنيين من أبناء قبيلة الترابين ِ, فقد ارسلت الجمعية الإسلامية بيافا بهذا الخصوص نداء حول ما يشاع عن البيوع في قضاء بئر السبع وتستعلم فيه عن خبر ما يحاك لأراضي السر ونقتطف من الرسالة ما يلي : انتابنا القلق عن اخبار اراضي السر ومن تهافت السماسرة للشراء والترويج لذلك واعتقادنا بأهالي القضاء وصدق وطنيتهم كان ولا يزال قوياً ولثقتنا بانهم أباة ضيم وأصحاب مروءة وشمم لا يمكنون غريباً من الدخول بينهم وفصم عرى وحدتهم والجوس خلال ديارهم والاستيلاء على اراضيهم التي كثيراً ما اراقوا دمائهم في سبيل الاحتفاظ بها , فالضيق الذي حل بعربان السبع في هذا العام ليس بالأمر الجديد عليهم وأنتم أعلم الناس ان ارضكم اذا امحلت سنين واخصبت سنه واحده يعوض الله عليكم ما فات من خسارة وضرر ان ثقتنا بوطنيتكم التي نعهدها هي التي حملتنا على ارسال هذا النداء على امل ان يكون له التأثير ما يمنع وقوع الخطر والتأثير على كل من تجدون فيه رغبة في البيع حتى يمتنع عن ذلك وأن يتفرغ المشايخ للنصح والأرشاد في هذا الشأن والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وقد قام بالرد على تلك الرسالة والموقعة من المشايخ عبد الله أبو ستة ومحمد الزريعي وحماد أبو شباب وحمد الصانع ونقتطف منها التالي : الكل يشعر بالخطر الصهيوني الذي يهدد البلاد من الإستيلاء على اراضي هذا الوطن ونحن نعتقد ان حركة البيوع ترتكز على بعض ذوي الاغراض الذين يروجون هذه الإشاعات المختلفة الخاطئة وذلك لإيقاع الوهن في النفوس وما قيل عن اي بيع في ارض السر او القضاء غير صحيح ووقوف الرجال المخلصين في وجه اليهود والسماسرة كان حجر العثرة فالأهالي لم يوافقوا على بيعها البتة لذلك نعلن هذا تطميناً للنفوس واظهاراً للحقيقة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
حقيقة النزاع على أرض السر :
رهن الشيخ علي بن خضيرة من شيوخ قبيلة العزازمة قبل وفاته ارضاً تخصه وتبلغ مساحتها 1200 دونم واقعة ضمن اراضي السر بواسطة السمسار سليمان الزرباوي ومساعده سليم البطارسة من بيت لحم بمبلغ زهيد وسليم البطارسة هذا من عائلة المرهونه له ووصي على ورثة المتوفي القاصرين فسعى لبيع هذه الارض بسعر 600 مل للدونم الواحد في باديء الأمر مع ان الدونم يساوي جنيه ونصف لقرب الارض من القصبة وهؤلاء السماسرة يعملون لصالح السمسار اليهودي موسى ليفي وهو من سكان تل ابيب الذي ابلغ احد الوطنيين بأنه على استعداد ان يدفع شهرياً مبلغ عشرة دنانير اذا كف عن التحريض بخصوص هذه الارض ورفض طلبه , فسكن بئر السبع السمسار سليم البطارسه وهو من سكان بيت لحم للعمل لصالح السمسار اليهودي الكبير الادون خانكين لمحاولة شراء بعض الاراضي التابعة للسر , وقد دفعوا لعشيرة السواخنة في ما تملكه من الاراضي المذكورة 850 ملاً في الدونم فرفضوا البيع فرفعوا السعر الى 950 ملاً ثم رفعوا السعر لـ جنيه فأصروا على الرفض وهم عازمون على عدم البيع وتم تحذير هذا السمسار بالويل اذا تحدث في هذا الأمر مرة اخرى , وقد سعى مشايخ العزازمة والترابين لدى الحكومة بالاسراع بتقديم القرض الزراعي للمزارعين وتسليمهم البذار فوعدهم قائمقام بئر السبع خيراً.
ضرب السمسار سليمان الزرباوي :
هذا السمسار تم تحذيره من قبل عشائر النجمات الترابين وعشائر العزازمة بعدم الأقتراب من اراضي السر في قضاء بئر السبع وعدم ذكرها في اعمال السمسرة وهو من قاطني القصبة وليس من سكانها اصلاً فهو من الشرقية في مصر جاء لبئر السبع للعمل والارتزاق شأنه شأن غيره من اهالي الخليل وغزة , فجاء للقضاء خفية يرافقه بعض السماسرة وبينما كان جالساً في القهوة اقترب منه الشاب شكري البيطار والذي علم بأمره من الترابين والعزازمة , وضربه بعصا غليظة على رأسه وقد حكم عليه ادارياً بجنيهين جزاء , وبعد فترة من تلك الحادثة حضر لبئر السبع أحد سماسرة اليهود المسمى " ابراهيم " يرافقه السمسار سليمان الزرباوي واحد سكان الخليل وتغديا في لوكاندة مرشد السيوري ثم توجها الى منطقة كرنب حيث يوجد هناك منبع بترول قديم ومروا بطريقهم على ارض شريف الحلبي وارض الحاج يوسف الشرفا وشركاه وداروا حولها ثم رجعوا لغزة وفي الطريق قابلهم الشيخ عيد بن ربيعة شيخ العزازمة وحين شاهد السمسار سليمان الزرباوي انهال عليه بالضرب وحذره من دخول قضاء بئر السبع وأن مصيره الضرب في كل مرة تطأ قدمه بئر السبع , فتمريغ انف هذا القذر في الوحل لم تكن كافيه لردعه عن ضلاله فيجب ان يتطهر هذا القذر سبع مرات ويعود مرتداً الى الحضيرة الوطنية فقد شوهد في افخم فنادق القدس وشوهد مع اليهود في اطهر شوارع غزة ولما عاد الى بئر السبع والذي يسكنها وهو ليس من سكانها اصلاً ولا انتماء له لهذه البقعة من الديار , شاهد بيته محاصراً من شباب الترابين والعزازمة والهدف ضربه وتأديبه فأستنجد بالبوليس والمجاورين له من السكان , مقسماً امام الحشد الذي حاصرة قائلاً : أقسم بالله العظيم انني لن ابيع ولن اسمسر على الاراضي ولا اقوم بأي عمل مضر بالبلاد , وعفى الله عما مضى , فتم تركه وشأنه وتحذيره من التلاعب وحينها ستكون العواقب وخيمة .
_______________________________________
" نحتفظ بكل وثائق محكمة الأراضي الخاصة بهذا الموضوع " وسنشير له في كتابنا ان شاء الله بقلم : اسماعيل بن عياد الترباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق