قراءة في كتاب القضاء بين البدو لعارف العارف :
الكتاب يعطي تصوراً عاماً عن الحياة الاجتماعية والثقافية عند البدو بغض النظر عن الخصائص
** زود المؤلف كتابه بأكثر من ثلاثين صورة تعتبر من الصور النادرة لشيوخ القبائل وعدد من الشخصيات الأخرى وكذلك صور لبعض جوانب الحياة الاجتماعية للبادية ولفت نظري صورتان توضحان كيفية إجراء ما يسمى "البشعة" في إحدى القضايا الموثقة التي حضرها المؤلف بنفسه والمؤلف يرجع الفضل في إخراج أكثر هذه الصور الى المسترجون وايتنغ والمستر ماتسون من رجال الجالية الأمريكية في القدس.
قسم المؤلف االكتاب الذي جاء في 268صفحة الى عشرة أبواب وقسم كل باب إلى عدة فصول كما تقتضيه المنهجية العلمية , الباب الأول جعل موضوعه في أعراب بئر السبع فتحدث عن أصولهم وفروعهم وأعدادهم وقد أشار المؤلف الى الصعوبة التي واجهتها الحكومة عند قيامها بإحصاء السكان عام 1922م حيث لم يتعاون مشايخ البدو وأفراد قبائلهم مع الموظفين لأنهم كانوا يعتقدون أن الإحصاء هو الخطوة الأولى للتجنيد في الجيش وقد استطاع المؤلف بجهوده الشخصية عمل احصاء تقريبي مفصل لأسماء العشائر واعدادها عام 1931م. وتحدث في هذا الكتاب عن سجاياهم ومشيختهم ولهجتهم حيث لاحظ تشابها في لهجة أعراب السبع مع لهجات قبائل الجزيرة العربية فمن الأمثلة التي تتطابق الفاظها ومعانيها ما يلي :
بالهمام : بالسرعة - بشويش : على مهل - جهامة : العدد الكبير من الإبل - جله : روث الأنعام - أروج : استعجل - دبش : غنم - أيش علومك : ماهي أخبارك - حنا : نحن - علامك : ماذا دهاك - الربع : الأهل - طرّش : سافر - كميت : أخفيت - وغيرها كثير.اما الباب الثاني فقد خصصه المؤلف بالقضاء بين البدو وبدأه بالحديث عن القضاء بين العرب كنظرة عامة حيث وضح أن لقبائل البدو قانون خاص، يمكن أن يطلق عليه "القانون الشعبي" فصلوا فيه لكل كبيرة وصغيرة لها ضوابطها وعقوباتها، في وقت كان فيه التسيب الإداري والإهتراء الأمني سائداً، وعليه أقاموا الحد فيما بينهم بضوابط ثابتة، يقضي فيها القضاة وفق تخصصاتهم وبأسلوب يستحق التقدير الذي سوف يزداد بمقدار اهتمامنا بإعادة النظر فيما كتب المؤلف ثم انتقل الى القضاة وذكر أسماءهم وقبائلهم وقد قسمهم إلى نصفين :
أ - قضاة العرب الأصليون ويسمونهم "مخاطيط" .
ب - قضاة محكمة العشائر الحكوميون ويسمونهم "لحاسة الختوم".
فأما القضاة المخاطيط فلهم تقسيم حسب القضايا التي ينظرونها فهناك أولا "الملم" لتحديد الدعوى وهناك "الكبار" لتسمية القضاة الذين ينظرون في القضية فإن كان الإختلاف في أرض اتجهوا إلى "أهل الديار" وإن كان من أجل خيل ذهبوا إلى "أهل الرسان" وإن كان من أجل عرض أو دخول بيت حكم فيها "المناشد" وإن كان القضية مالية يصيرون الى "الضريبة" أو "الزيود" وإن كانت القضية من أجل قتل أو ضرب أو جرح ينظر فيها مناقع الدموم ويسمونهم "القصاصين" فلكل نوع من القضايا قضاة متخصصون لا ينظرها غيرهم.
وبين المؤلف أن المدعي يقدم إلى القضاة اجرته قبل ان يشرح قضيته وتسمى "رزقة" في الدعوى الجزائية و "جعلة" في القضايا الحقوقية ويقدم المدعى عليه أجرة تعادل ما قدمه خصمه كذلك فمن ثبت عليه الحق غرم فيما يعاد للآخر ماقدمه. والنظر في القضية عند هؤلاء البدو يكون على درجات ابتداء من قاضي التحقيق "الكبار" ليصل الى القاضي الابتدائي ثم قاضي الاستئناف واخيرا قاضي التمييز الذي يعتبر حكمه نهائيا وهذه الطريقة مع اختلاف المسميات بالطبع تذكر بالطريقة المألوفة حديثا للنظر في القضايا.
وفي الباب الثالث من الكتاب تحدث المؤلف عن قضايا القتل وفصل فيها وضرب الأمثلة الواقعية الموثقة لبعض القضايا كما ذكر ووضح كثيراً من المصطلحات القضائية والعرقية مثل : الخمسة : وهم نسل الأب والجد وجد الجد حتى الجد الخامس ، والعطوة : وهي الهدنة التي تسود بين الفريقين المتخاصمين، والجوة : وهي المبلغ الذي يدفعه الرجل القاتل او المتهم بالقتل الى الرجل الذي يقبل ان يكون واسطة للصلح بينه وبين اهل القتيل والوجه : ويعني الكفيل وهناك كفيل الوفاء : وهو الذي يكفل دفع المبالغ المالية في القضية وكفيل الدفا : وهو الذي يكفل عدم قيام المعتدي عليه بأخذ الثأر؛ كما تحدث في هذا الباب عن البشعة وكذلك الدية التي يعرب عنها البدو بقولهم "الدية أربعين وقوف أو غلام مكتوف" ونلحظ في هذا الباب إشارة الى الارتباط القضائي بين قبائل الحجاز وقبائل الشام فقد ينظر في قضية لأحد قبائل فلسطين أحد القضاة العرفيين في الحجاز.
وفي الباب الرابع تحدث المؤلف عن السرقات من الأمور التي يجدر الإشارة اليها في هذا الباب ما يسمى بالعداية : وهي أن تتعدى انت بنفسك او ترسل من يعتدي على غنم أي فرد في عشيرتك أو من حولهم فتأخذ منها واحدة لتطعم بها ضيفك وهي فعل مشروع عند العرب ولكن لها شروطاً اذا لم تنظر اليها بعين الاعتبار عد عملك سرقة تعاقب عليها. وهناك الوساقة : وهي وضع اليد على مال رجل لك في ذمته حق ثم تودعه عند رجل آخر من أهل الأمانة حتى يرجع لك مالك او تتقاضى معه وهي أمر مشروع بشروطه التي اذا لم تنفذ اعتبر العمل سرقة.
ويتحدث المؤلف في الباب الخامس عن المرأة البدوية وحقوقها وواجباتها وأحكام الوراثة والزواج والطلاق وتعدد الزوجات وغيرها من الأمور التي تتعلق بحياة المرأة في البادية. وفي الباب السادس الذي خصه المؤلف بقضايا الحيوان بدأه بالحديث عن الفصل الثاني عن الإبل واسمائها وصفاتها وفصائلها ومحبة البدو للإبل التي لا يعادلها محبة لينتقل بعد ذلك للحديث عن الوسم ويوضح شكل الوسم واسمه وموضعه لكل عشيرة من العشائر ثم يختم المؤلف هذا الباب بالحديث عن المراعي والمياه وحقوقهما.
امام الباب السابع فنجد فيه بيانا لبعض العادات والتقاليد والأعراف البدوية كحقوق الجوار وحقوق الضيف فيما خصص الفصل الخامس والسادس للحديث عن القهوة والغزو عند البدوي.
فيما يتحدث المؤلف في الباب الثامن عن الحياة الاقتصادية عند البادية نجده في الباب التاسع عن الطب بين البدو ليصل في الباب العاشر والأخير الى بيان بعض المعتقدات عند قبائل بئر السبع من هذه المعتقدات أنهم يرون "أن الدنيا اكعاب واعتاب ونواصي" أي أن للمرأة والبيت والفرس تأثيراً على حظ المرء بل إنه أوضح بعض المعتقدات التي لا تخلو من الشركيات التي يدعمها الجهل في كل زمان ومكان.
والمؤلف اعتمد في كتابه على الدراسة الموضوعية والوصفية مستخدما أسلوب الدراسة الميدانية القائمة على الإاستجواب الشخصي في معظم أبواب كتابه مع الاستعانة بالعديد من المصادر والمراجع لكي يعمق دراسته ويصلها التاريخ الفلسطيني القديم. ومن خلال استعراضنا لهذا الكتاب نجد أنه من المراجع المهمة في الأنثروبولوجيا والفلكلور فهو سجل حافل عن حياة البادية وإن كان يعتبر مرجعا وثائقيا للقضاء العرفي عند القبائل العربية كما ان الباحث يستطيع من خلاله المقارنة بين البادية في الجزيرة العربية والبادية في الشام الأمر الذي يؤكد الجهد الكبير والبحث الشامل والمعلومات الدقيقة التي قدمها المؤلف في هذا الكتاب المنبثقة من التجربة الميدانية والمعايشة الحقيقية والقضايا الموثقة ؛ وختاماً لا يفوتني التأكيد على أن هذا الكتاب إنما هو نتاج كتابة المذكرات الشخصية فالتدوين دائما هو الوقود المتاح للتأريخ والتأليف. ( قاسم الرويس )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق