ذكر الإخباريون والرواة العرب، ومنهم أبوالحسن علي بن الحسين المسعودي «ت643هـ/759م» في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر»: إن «الحداء» كان عند العرب قبل «الغناء»، انحدر إليهم وتوارثوه من جدهم الأكبر مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد، وأصله كما يرون أن مضر قد سقط عن بعيره في بعض أسفاره فانكسرت يده، فجعل يقول: يا يايداه يايداه أو وايداه وايداه، وكان من أحسن الناس صوتاً فتجمعت حوله الإبل وطاب لها السير معه، فاتخذه العرب حداء برجز الشعر، وجعلوا كلامه أول الحداء، فقال حاديهم: يايداه يايداه، يا هاديا يا هاديا، أو قال: وايداه وايداه، هبييا هبييا.
ذكرت معاجم اللغة أن راعي الإبل إذا أراد أن يستحث إبله لتجيء إليه بسرعة زجل بصوته وغنى لها إحدى الكلمات التالية:
هَيدْ هيدْ
قال الشاعر غيلان بن عقبة بن نهيس العدوي المضري الملقب بذي الرمة «ت711هـ/537م»:
إذا غرق الرواتك في الهوافي
أدن على جوانبها بـ«هيد»
الرّواتك: الإبل المسرعة. الهوافي: السراب. هيد: حداء راعي الإبل.
أو: هي دو هي دو. أو: دوه دوه. أو: ده ده بضم الدال. أو: داه داه بتسكين الدال.
إن هذه الكلمات التي ذكرتها المعاجم، والتي يتغنى بها راعي الإبل وينادي بها على إبله، والتي نسبها الإخباريون العرب في كتبهم إلى مضر بن نزار بن معد، وقالوا عنها بأنها البدايات الأولى للحداء برجز الشعر، هي التي يسميها عربان البوادي الحاليين والأقدمين بـ«دواهة الإبل». والدواهة ـ في اللغة ـ: هي كلمة أو كلمات قليلة ذات لحن مميز يؤلفها ويلحنها راعي الإبل لينادي بها على إبله، ولكل واحد دواهته الخاصة التي يدوه «ينادي» بها إبله فتجيء إليه مسرعة، ويعرف الرعاة في الصحراء بعضهم من على بعد من سماع الدواهة. يقول الواحد منهم: أسمع دواهة فلان أو هذا تدويه فلان. ولا تنس أن الإبل تطرب وتفرح عند سماعها دواهة صاحبها وتعبر عن فرحها بحركات تظهر على أجسامها.
ومن كلمات نداء الإبل «الدواهة» وهو حداء بسيط لا يتعدى الكلمة أو الكلمتين، ظهر لنا حداء سوق الإبل في الصحراء «حداء الأوب» وحداء سقي الإبل «حداء الورد».
الحداء: غناء وطرب
للراعي والإبل
«الحِداء» أو «الحُداء» - بكسر الحاء أو ضمها - أو «الحدْوُ» تعرفه معاجم اللغة: بأنه سوق الإبل والغناء لها، وواحدته: «أحدية» أو «أحدوّة». يقال: رجل حاد وحدّاء وهو الذي يحدو الإبل أي يغني لها لتتبعه. تقول العرب: فلان حدّاء قراقريّا، أي جهوري الصوت الشديد النبرات يقدم إبله ويحدوها وتجعل العرب الحداء من بحر الرجز لأنه قليل الأجزاء والحروف وسهل الإنشاء فأبياته تتراوح بين البيت الواحد والثلاثة وقد تزيد أو تنقص قليلاً، فالحداء رجز وشاعره يقال له: «راجز» أو «رجّاز» أي «حادي». وسُمي هذا النوع من الشعر رجزاً ـ بفتح الراء والجيم ـ نسبة إلى مشي البعير عندما يكون مريضاً أو مقيداً حيث يضطرب مشيه ويتقارب خطوه، فيصبح مشيه «رجزاً»، فيقال: البعير يرجز أو يرتجز في مشيه فهو «راجز» أو «رجّاز». و«الحداء» يستخدمه العرب في سوق الإبل والغناء لها فتطرب لصوت حاديها وتغشاها موجة عارمة من النشوة والبهجة، فترقص بحركات جميلة رشيقة لا يعرفها إلا من عاش مع الإبل وحداها من روض إلى روض أو إلى مناهل المياه.
ونذكر أن للعرب حداء آخر شبيها بحداء الإبل، هو حداء الخيل» وهو غناء الفروسية، وليس هنا مجال شرحه. سأل أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفي «ت59هـ» أعرابيا من زمانه اسمه المساور بن عبد مالك «اشتهر باسم أمه هند فقيل له: المساور بن هند»: لم تقول الحداء يامساور بعد الكبر؟ فقال: أرعى به الكلأ، وأسقي به الماء. وفعلاً الحداء عند العرب الأوائل والأواخر ينقسم إلى نوعين، حداء سوق الإبل في مجاهل الصحراء الذي هو حداء الرجوع إلى مضارب الحي ومناهل المياه بعد أن تقارب فترة أيام الظمء على الانتهاء ويسمونه: «حداء الأوب» والثاني هو حداء سقي الإبل ويسمونه: «حداء الورد» ينشدونه وهم على طية البئر. وتذكر معاجم اللغة أن اسم جد العرب الأعلى «عدنان» اشتق اسمه من العدن وهو المكان الذي تعدن «تقيم» فيه الإبل فتألفه ولا تبرحه. تقول: الإبل عوادن في المكان الفلاني. وهذا شاعر من العرب الأوائل يخاطب أحد الذين ينكرون الطرب في اللحن الجميل، فيذكره بطرب الإبل لأصوات حداتها:
إن كنت تنكرُ أن في
الألحان فائدة ونفعا
فانظر إلى الإبل التي
لاشك أغلظ منك طبعا
تصغي لأصوات الحداة
فتقطع الفلوات قطعا
شوقاً إلى النغم التي
اطربنها لحناً وسمعا
الركباني قصيد أهل السفر والقوافل
يجب أن نلفت النظر إلى أن قصيد «الركباني» بعيد كل البعد عن الحداء، فالحداء أبياته ذات مقاطع قليلة وقصيرة، على عكس الركباني، وطريقة الغناء مختلفة بين الاثنين. فالركباني: نوع من الشعر أبياته كثيرة، يتغنى به ويقطع كما يقطع العروض، تغنيه العرب إذا ركبت الإبل، لذا سمي «ركباني» نسبة إلى الركائب، ويسميه نسبة كبيرة من العرب الأواخر بـ«الهجيني» نسبة إلى الهجن، وهو قصيد أصحاب السفر والقوافل يقطعون به الصحراء ويطربون أنفسهم وركائبهم.
يقول أبو العلاء أحمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي المعري «ت944هـ/7501م» في كتابه «الصاهل والشاحج» عن أعراب زمانه: ولقد تبعتهم تارات في الظعن وشاهدتهم إذا اجرهد السير وترجل النهار وتجاوبت الحداة من كل أوب، يكررون هذين المقطعين من الحداء:
يا حلوة العينين في النقاب
لا تحسبيني قد مضى أصحابي
ويقول أبوالفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني «ت258هـ» في كتابه: «فتح الباري بشرح صحيح البخاري»: الحداء هو سوق الإبل بضرب مخصوص من الغناء، والحداء في الغالب يكون بالرجز.
وساق الإبل يسوقها سوقاً وسياقاً، وهو سائق وسواق أي حاد يحدو الإبل فهو يسوقهن بحدائه، وسواق الإبل يقدمها، وانساقت وتساوقت الإبل تساوقا إذا تتابعت وتقاودت فهي متساوقة ومتقاودة.
نماذج من حداء العرب الأوائل «حداء الأوب وحداء الورد»
ـ هذا سيدنا علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ورضي الله عنه ـ يحدو إبله على أرض الكوفة؟ قائلا:
يا حبذا السير بأرض الكوفة
أرض سواء سهلة معروفة
تعرفها جمالنا المعروفة
ـ وهذا سيدنا عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ يحدو إبله وهو في طريقه من البصرة إلى الكوفة، مخاطباً ناقته الحبيبة إلى قلبه المسماة «رباب»:
أوبي إلى أهلك يا رباب
أوبي فقد حان لك الإياب
ـ وهذا عبدالله ذي النِّجادَين راعي إبل الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحدو «يغني الإبل» مخاطباً ناقة سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
تعرضي مدارجا وسومي
تعرض الجوزاء للنجوم
هذا أبو القاسم فاستقيمي
المدارج: الثنايا الغلاظ بين الجبال، واحدتها مدرجة. السوم: سرعة المرور.
ـ وهذا أحد العرب الأوائل، من أهل عُمان، يسوق إبله بهذا الحداء ليعبر بها الوادي فتمشي خلفه وهي فرحة مبتهجة بغنائه:
كأنما أصواتها بالوادي
أصوات حج من عُمان عادي
حج: حجاج، كأن أصوات إبله، أصوات حجاج من عمان.
ـ أعرابي من عرب سيناء في العصر الجاهلي القديم يحدو إبله بهذه الأحدية:
حدواء جاءت من جبال الطور
تزجي أراعيل الجهام الخور
حدواء: ريح شمالية جاءت من جبال الطور تسوق «تحدو» السحاب الممطر.
الجهام الخور: الإبل الخوارة، أي الرقيقة اللينة، وهي إبل أهل الواحات والقرى المتعودة على شرب الماء، وعكسها الإبل الجودية، إبل أهل الصحراء، والمسميات باقية حتى هذا اليوم.
سيناء: السين، القمر في لغة قوم عاد وثمود وسبأ. والسناء: الوضوح والضوء المبهر. وأرض سيناء: أرض القمر.
ـ حفر قصي بن كلاب بن مرة بن كعب، ركية بمكة، فسماها العجول، فكانت العرب ترد عليها وتستقي منها، فقال رجل من وارديها هذا الحداء:
نروى على العجول ثم ننطلق
إن قصيا قد وفى وقد صدق
بالشبع للحاج وري مغتبق
قصي: هو الجد الرابع للرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ واسم قصي هو زيد، وأمه: عاتكة بنت هلال. الركية: البئر الوسيع الفوهة التي لم تطو، والجمع: الركايا.
ـ وهذا أعرابي من عربان الجاهلية، يحدو إبله ويبشرها بعودة المطر والربيع بعد سنة مجدبة مرت عليه، يقول:
قد رجع الملك لمستقره
وعاد حلو العيش بعد مره
وأبهل الحالب بعد صره
معنى المقطع الثالث من الحداء: البدو في السنة الممحلة المجدبة يحرصون على صر ضروع الناقة لكي لا يرضعها ابنها، فالحليب يريدونه لأنفسهم، أما في سنة الربيع فإنه يسمح لابن الناقة برضاعتها في فترات محسوبة أي أنه يحل الصرار ويبهل عليه بالحليب.
ـ وهذا أعرابي يحدو إبله بهذه الأحدية التي يخاطب بها عشيقته الحبيبة «زرعة» فتطرب إبله لسماع صوته وترقص خلف راحلته مسرعة في مشيها، يقول:
يفديك يا «زرعه» أبي وخالي
قد مر يومان وهذا الثالي
وأنت بالهجران لا تبالي
الثالي: أي الثالث.
رجل من عرب الجاهلية، كنيته أبو الجودي يسوق إبله بهذه الأحدوة:
لقد حداهن أبو الجودي
برجز مسحنفر الروي
مستويات كنوى البرني
مسحنفر: ماضٍ سريع الكلام. نوى البرني: نوى، جمع نواة، والبرني: تمر.
ـ وهذا أعرابي يسوق إبله من الفلاة بسرعة وبشدة ليوصلها إلى موارد المياه «القلبان» وأحديته تنم عن شدته وعجلته، يقول:
لتقربن قربا جلذيا
مادام فيكن فصيل حيا
وقد دجا الليل فهيا هيا
فرب جلذي: شديد. وليلة القرب ويوم القرب: هو اليوم الأخبر من أيام الظمء حيث يسحب الراعي إبله من الفلاة ويتقرب من مضارب الحي وقلبان المياه فيردها في عصر أو مغرب اليوم التالي. والقرب ـ بفتح القاف والراء ـ مسمى فصيح مستعمل عند العرب الحاليين. يقول أبوالطيب المتنبي «قتل 453هـ» واصفاً قصر الوقت:
ما كان أقصر وقتاً كان بينهما
كأنه الوقت بين الورد والقرب
ـ ولنستمع لهذا الحادي وهو واقف على طية البئر يستقبل الدلو ليسقي إبله وحوله جمالته يرددون معه الحداء «حداء الورد: حداء القليب: البئر».
قالت لنا ودمعها تؤام
كالدر إذ أسلمه النظام
على الذين ارتحلوا السلام
شرح الحداء: قالت لنا ودموعها توأم ـ غزير منهمر ـ الدمعة بدمعتين، وهو يشبه الدر المتساقط من خيطه. وقالت على أحبابنا الراحليـن السلام.
ـ وقال سيف الله المسلول خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ هذا الحداء وهو يقود جيش المسلمين متوجهاً إلى الشام لنجدة الجيوش الإسلامية المرابطة هناك:
لله در رافع أنّى اهتدى
فوز من قراقر إلى سوى
خِمساً إذا سار به الجبس بكى
عند الصباح يحمد القوم السرى
وتنجلي عنهم غيابات الكرى
شرح الحداء: يمتدح خالد دليل الجيش الذائع الصيت رافع بن عميرة الطائي وهو بدوي من قبيلة طيء. فوز: قطع المفازة «الصحراء الجرداء المهلكة». قراقر وسوى: آبار مياه.
الخمس ـ بكسر الخاء ـ: من أظمأ الإبل في الصيف، تبقى خمسة أيام في الفلاة بدون ماء ترعى حميس ويبيس العشب. وظمء الخمس متعب لا يتحمله الجبس: الرجل الرديء الدنيء الجبان.
ـ وهذا أعرابي يسقي إبله بهذه الأرجوزة التي يرددها معه الآخرون بكل همة ونشاط:
خضراء فيها وذمات بيض
إذا تمس الحوض يستريض
خضراء: الدلو الكبيرة، المسماة عند الأوائل والأواخر بـ«الغرب»، وخضراء أي سوداء، والأخضر من معانيه الأسود في لغة العرب.
وذمات: جمع وذمة وهي سير من الجلد أو خيط من الشعر المفتول تشد به عراقي «خشبتي» الدلو في آذانها. وإذا انقطع أحد هذه السيور قالوا: أوذمت الدلو ولكبر هذه الدلو ولكثرة الماء فيها فإنها إذا مست حوض الجلد الذي تشرب منه الإبل تجعله يستريض على الأرض أي يقف بسبب الماء الذي فيه، ويجعل البدو لهذا الحوض الجلدي الكبير أعواداً «أغصاناً» محنية «مقوسة» لتوقيفه واستقراره.
ـ ولنستمع لهذه الأحدية العاطفية من حداء الورد، يرددونها وهم يسقون إبلهم ويملأون قرب فتيات الحي «القطين» المتقاطرات على القليب لسماع الحداء:
إن ذوات الدل والبخانق
يقتلن كل وامق وعاشق
حتى تراه كالسليم الدانق
الدل: جمال المنظر والملبس. البخانق: جمع بخنق، وهي خرقه تلبسها الفتاة على رأسها وتربطها تحت حنكها. السليم: المريض أو الملدوغ، تقال له تفاولاً بالشفاء.
الدانق: المهزول من الرجال من عشق أو مرض.
ـ وهذا رجل آبل «ذو إبل» يفتدي الراعي بروحه ويطلبه أن يغني لها، فغناء الإبل الحداء:
غني لها روحي لك الفداء
إن غناء الإبل الحداء
حداء الإبل عند العرب
الأواخر «الحاليين»
بعد أن ترتوي أذواد «قطعان» الإبل من الماء وتعطن حول القلبان «الآبار» ـ عادة يقطن البدو حول آبارهم أيام الصيف ـ يأتي رعاة الإبل في الصباح والضحى راكبين على رواحلهم، ثم يبدأ كل واحد منهم بـ«الندويه» لإبله بـ«دواهته» الخاصة، و«الدواهه» كلمة أو كلمات قليلة ذات لحن مميز، خاصة براعي الإبل لا يشاركه بها وبلحنها أحد غيره، وحالما يرفع صوته، فإن الإبل تعرف دواهة راعيها فتنهض من مباركها حول البئر وتهرع إليه وتتجمع حول رحوله «راحلته» ثم يتحرك راعيها بالمسير بها من القلبان إلى المرعى «الفلاة: المسراح». ويستخدم الراعي أيضاً الدواهه في المرعى، فعندما يريد أن ينادي إبله المنتشرة في المرعى لينقلها إلى مرعى آخر، فإنه يدوه لها بـ«دواهته» فتتجمع حوله وتتبعه على صوت هذه الدواهة فينقلها من هذا الروض إلى الروض الآخر.
وإذا رجعنا إلى معاجم لغة العرب لوجدناها تقول: «الدواهة» في اللغة: من دوه يدوه فهو مدوه، وأصلها «التدويه»، وهو أن تقول: دوه... دوه أو داه... داه ـ بالتسكين ـ أو تقول: دهده... دهده ـ بالضم ـ لتجيء إليك الإبل، وتنص المعاجم على أن «الدواهة» ـ وهي التدويه للإبل ـ هي أصل الحداء «شعر الرجز» ومن دواهة الإبل استوحى البدو الحاليون هذا المثل: «فلان تغير ما هو على الدواهة الأولى» أي غير كلمات دواهته أو غير لحنها واخترع له دواهة جديدة، ويضربون هذا المثل بالشخص الذي يغير رأيه ولا يثبت على موقفه الأول.
أما حداء الإبل بشعر الرجز ـ أبيات الغناء والتطريب ـ فينقسم إلى قسمين متشابهين الأول هو: «حداء الأوب» أو «حداء الأواب» وهو عند العرب الأوائل بنفس الاسم أما العرب الأواخر فيسمونه: «حداء الهوبال أو الأوبال» واختلاف نطقه تبعاً لكلام قبائل جزيرة العرب فبعضهم يتثاقل الهمزة فيقول: هوبال بدلاً من أوبال والكلمة تتكون من مقطعين «أوب» و«آل» وكلاهما تعطي معنى الرجوع والعودة. والمقطع الثاني «آل» يعطي معنى آخر هو الأهل القاطنون على القلبان. والمعنى الكلي لـ«الهوبال أو الأوبال» هو الإياب والعودة إلى الأهل لورد المياه والاستراحة بعد فترة الظمء «الأوب» و«الأواب» ـ باللغة ـ: هو الرجوع، من آب يؤوب، إذا رجع، فهو أواب. وفي حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أنه كان إذا أقبل من سفر قال: آيبون تائبون، لربنا حامدون». والآيب: هو الراجع. والإياب: هو الرجوع. والقسم الثاني من الحداء هو ما يسمونه: «حداء الورد» أو «حداء سقي الإبل» أو «حداء القليب» حيث يتحلق الرجال حول فوهة البئر «القليب» لاستقبال الدلو التي يسحبها جمل السناية، ثم يصبون ماءها في القرو «حوض من الطين والصخر والجص» لتشرب الإبل العطاش، وخلال عملية السقي يرددون هذا الحداء لتطريب أنفسهم وإبلهم وأهل حيهم، ويزداد الحماس والطرب عند توافد فتيات ونساء الحي للتزود بالمياه. مدخل إلى حداء الأبل عند العرب الأواخر
عندما يريد راعي الإبل تجميع ذوده «قطيعه»، بقصد الانتقال به من الفلاة التي هو فيها إلى فلاة أخرى أكثر عشباً وشجراً، فإنه يدوه «ينادي» لها بـ ـ«دواهته» فتهرع إليه ويسوقها بهذه الدواهة لمسافة محدودة، وإذا اجرهد السير يبدأ بالغناء «بالحداء» لها بـ«حداء الأوبال أو الهوبال» ـ حداء الأوب: الرجوع ـ حتى يصل إلى الفلاة الجديدة «المرعى الجديد». وفي أواخر أيام الظمء يبدأ راعي الإبل بالرجوع والتقرب إلى آبار المياه حيث يقطن أهل الإبل، وخلال فترة التقرب والرجوع يأتي دور حداء الأوبال أو الهوبال فيردد راعي الإبل أبيات هذا الحداء فتتبعه إبله مسرعة، فتطرب الإبل ويطرب راعيها لأنهم جميعاً آيبون راجعون إلى الماء ومنازل الأهل والأحباب الذين فارقهم خلال أيام الظمء. الظمء ـ باللغة ـ : هو المدة المحصورة بين الوردين، وجمعه أظماء. وينطقه البدو الحاليون «الظمي». في بداية الصيف يكون ظمء الإبل سبعا ثم سدسا.
وفي القيظ خمس وربع. وفي الخريف سدس وسبع. وفي الشتاء ثمن وتسع وعشر. وفي الربيع إذا كثر العشب الأخضر فإن الإبل لا تشرب وتصبح من الجوازي جزأت عن الماء بالأعشاب والأشجار الخضراء الرطبة. وكل هذه المسميات عربية فصحى ذكرتها معاجم اللغة، ومازالت متداولة عند البدو الحاليين بنفس معانيها. ظمء الربع ـ باللغة الفصحىـ: أن ترد الإبل يوماً، ولا ترد يومين، وترد في اليوم الرابع، وعلى هذا القياس إلى ظمء العشر.( منقول للفائدة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق