قال العارف في كتابه القضاء بين البدو : أيقنت منذ اللحظة الأولى التي هبطت فيها بئر السبع , انه لن يتيسر لي حل مشاكل العربان , وما اكثر مشاكلهم في هذه البلاد , ما لم اقف على عوائدهم , ولن اتمكن من اقامة قسطاس العدل بينهم الا اذا درست طبائعهم فشرعت أتسقط أخبارهم , وأستطلع آثارهم وأبحث عن المالوف , والمنكر في نظرهم فلم أترك منزلاً من منازلهم الا ونزلته , ولا شيخاً من مشايخهم الا وسألته , ولا حادثة من حوادثهم الا واستنطقتها , ومكثت على هذا النمط عامين او يزيد جاداً في مهمتي الى ان اجتمعت لي طائفة غير قليلة من أخبار القوم , وعوائدهم , واصولهم , وفروعهم , وبطونهم , وافخاذهم , وعددهم , ومنازلهم , ونسائهم وطبائعهم , وطرق تقاضيهم , ولغتهم , واغانيهم , وتاريخهم , وحروبهم . قلت : هذا دليل على ان العارف لم يأت بشيء من كيسه بل دون ما كتبه على لسان مشايخ قبيلة الترابين الذي اجتمع بهم في ذلك الزمان , فقد كان يرأس محكمة العشائر التي بها قضاة من مشايخ قبيلة الترابين ومشايخ قبائل بئر السبع الأخرى , وقال المؤرخ عارف العارف في كتابه تاريخ بئر السبع وقبائلها : (ص78) [ الرأي الشائع بين الترابين ان جدهم يدعى " عطية " وهو من الحجاز ومن قريش وقد كانت منازله في تربة شرقي مكة , وهذا هو السبب في تسميتهم بالترابين , وهناك في الحجاز لا تزال تدعى في يومنا هذا " البغوم " كما ان نجمات الصانع النازلين في الطرف الغربي من بئر السبع يلقبون الآن بالبغوم أو المزارعة . ] قلت : نقل المؤرخ عارف العارف عن شيوخ قبيلة الترابين إن جدهم عطية من الحجاز ومن قريش وكانت منازله في " تربة " وهذا هو السبب في تسميتهم بالترابين , والترابين يتفقون ويجمعون على ان مسقط رأس جدهم " عطية " هو منطقة تربة في الحجاز , وقد أكد العارف في كتابه تاريخ بئر السبع على أن الرأي الشائع بين الترابين ان جدهم عطية من الحجاز ومن قريش والشائع في اللغة : هو المنتشر بين القبيلة وفصل العارف القول جغرافياً [ بكلمة الحجاز ] وفصل القبيلة [ بقريش ] وهي في الحجاز وفصل في جد الترابين وقال : [ هذا من قريش ] فهو تأكيد واضح لا ريب فيه لكنه أردف إنه من [ تربة ] وهي من منازل قبيلة البقوم , ومنازل قريش قديماً , ومن المعروف ان القبائل متموجة والديار ثابته وكون قبيلة تسكن هذه الديار او تلك لا يعد دليلاً دامغاً أو قاطعاً على نسبتها الى من سكن هذه الديار في عصر الجاهلية أو صدر الأسلام ( محمد بن منصور ) وأنا أرى إن وجود قبيلة من القبائل اليوم في منازل اخرى من قبائل العرب القديمة ليس في مرجح لإلحاق هذه القبيلة أو تلك لمجرد اننا وجدنا منازل تلك هي ديار هذه في عصرنا والسبب ان تموج القبائل في الجزيرة العربية أمر معروف من القديم , فكم قبيلة كانت في الجنوب ونزحت الى الشمال . أما جزئية البغوم التي ذكرها عارف العارف في النص , جعل بعض ممن لا يفرقون بين الحيض والبيض يتلقفها دون تحقيق وتمحيص لينسب القبيلة " للبقوم " حيث ان ديار تلك القبيلة في تربة في الحجاز , فعشائر المزارعة لا تقر بتلك الجزئية وقد التقيت بالشيخ عبد الكريم حمد الصانع لاستوضح منه عن جزئية " البغوم " التي ذكرها عارف العارف عن نجمات الصانع النازلين في القسم الغربي من بئر السبع وانهم يلقبون بـ " البغوم " فقال : ليس صحيحاً ما يتقوله البعض عن جهالة فنحن نلقب بالبغوم قديماً وهي مأخوذة من[ بغم صوته ] أي صاحب الصوت اللين والرقيق , فحديث أجدادنا لين ورقيق مع الناس ولا نحب صاحب الصوت المرتفع المليء بالصراخ فهذا ليس اسلوب المتحاورين . وفي الختام نقول لبعض الجهلاء كما قال أبو نواس : فقل لمن يدعي في العلم فلسفة , حفظت أشياء وغابت عنك أشياء وقيل قديماً من تكلم في غير فنه أتى بالعجاب .
( اسماعيل بن عياد الترباني )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق