يعتبر العزف على الربابة من الفنون القديمة عند سكان البادية والذين اشتهروا به, يجد البدو أنفسهم دوما مع الربابة في مناسباتهم الاجتماعية والأعياد لذا اعتبرت الربابة رفيقة ابن البادية قديما ويؤكد عدد من أبناء البادية أن الربابة كانت تسمع في مسامراتهم ويكون معروفاً في مابينهم عازف الربابة ليعزف لهم مقطوعاته حيث إن الكل يطرب لسمعها بل عرف عن بعض أبناء البادية اقتناؤها وبوضعها في مكان بارز في بيوت الشعر تعبيرا عن تمسكهم بموروثهم .
فالربابة آلة موسيقية قديمة ذات وترٍ واحد عرفها العربُ في صحرائهم منذ عصورٍ بعيدة، وانتشرت بشكلٍ كبير حتى تكاد تجدها في كل بيتٍ من بيوت العربان، وكان البدويّ يلجأ إلى الربابة في ساعات راحته وهدوئه، ولذلك لم يصطحبها معه وهو يرعى أغنامه كما يصطحب الشبّابة.
ولم تكن الربابة آلة لهو ولعب عند البدويّ، بل كانت آلة يلجأ إليها في وحدته ليبثّ إليها همومَه وشجونه، وعندما يمر بقوسه على وترها اليتيم يُخرج صوتاً مبحوحاً كأنه قطعة من نشيج قلبٍ مكلوم.
وهو يداعبها بأنامله مرات ومرات حتى يستقيم لحنها، وتتهيأ نفسه عندها لتبوح بمكنوناتها، وهي النفس التي لوّعتها الصحراء بصمتها وسكونها، ويغني ألحاناً هادئة عميقة تخرج من أعماق نفسه فينساب اللحن مع نغم الربابة وكأنه قطعة من الأنين تنساب شيئاً فشيئاً.
وهو يشرح أنينه ولواعج نفسه ويبوح للربابة بهمومه وكأنها الصديق الوفي الذي يواسيه في شدَّتِه ويقف بجانبه في محنته وساعات ضيقه.
تلك هي الربابة بمفهومها الحقيقي عند البدو، ومن أجل ذلك يُعَلِّقها البدويّ في واسط بيته، وفي المكان الذي يجلس فيه في ساعات راحته، أو مع ضيوفه وأصدقائه.
وكم تناول الربابةَ ضيفٌ عابرٌ، أو صاحبُ حاجة ليعبِّرَ بها عما يجيش في نفسه بعد أن لم يجد الكلمات التي يعبّر بها، فيجد راحته وهو يمزج شكواه بأنين نفسه مما يجعل النفوس الأخرى ترقّ له وتهب لنجدته وتساعده في محنته وتفكّ أزمته وكربته.
إن اللحن لغة عالمية لا تستعمل الحروف، حروفها ذبذبات من المشاعر، وكلماتها هفهفات من العواطف ولواعج القلوب، ومن أجل ذلك يكون التعبير بها أسرع إلى القلوب وأقرب إلى النفوس فتتغلغل بها لا تنتظر دليلاً ولا ترجمان.
والصحراء تجعل الإنسان أكثر انطوائيةً بسبب الوحدة والعيش بشكل انفراديّ، فنرى البدويّ أقرب إلى نفسه من أي شيء آخر، وعندما ينفرد بربابته ينطلق ذلك الكبت لينساب ألحاناً شجيّة معبّرة خالية من كل تصنّع أو تكلّف.
هذه هي لغة الصحراء، وهذا هو صدق أهل الصحراء، وهذه هي فطرتهم التي جُبلوا عليها.
فقد صنع البدويّ آلته من الأدوات البسيطة المتوفرة لديه، فصنع هيكلها وقوسها من خشب الأشجار التي يصادفها في طريقه، وصنع طارتها من جلد الماعز أو الغزال، أما وترها ووتر قوسها فهو من سبيبِ فرسه، واللبان الذي يمسحه على وترها فيجعله خشناً عند احتكاكه بوتر القوس أخذه من دموع أشجار السرو أو الصنوبر.
وانتهجت الربابة إشكالا متعددة في عدة مناطق من الوطن العربي منها الصندوق الخشبي المستطيل وهذه هي الربابة السائدة في جزيرة العرب ومنها ما هو على شكل دائري وهذا هو الشكل السائد في العراق ومصر ومنها ما هو على شكل الكمنجة وأشكال هندسية عدة ومنها ما هو على شكل بيضوي وهذا الشكل السائد في المغرب العربي .
ومن أشهر المقامات العزف على الربابة والتي يشترك بها أغلب أبناء البادية في الجزيرة العربية وشمالها منها المسحوب وهو إخراج بعض الكلمات بنغمة أطول وهذا النوع يختص بالشكوى والغزل والحزن والهجيني وهو مقام راقص على الربابة ويعبر عن الابتهاج والفرح .وقد غنّى البدويّ على ربابته ألحاناً مختلفة منها الرِّزْعَة والدلعونا والشروقي والأشعار الشعبية، ولكنها اتسمت في معظمها بطابع الحزن والأسى، وظلّت تدور في فلك الحزن والانطوائية، ذلك الطابع الذي فرضته الصحراء ببيئتها وظروفها وبصمتها وسكونها.
وأجزاء الربابة بشكل أكثر تفصيلاً هي:
هيكل الربابة: هو مربعٌ خشبي يميل إلى الاستطالة مثقوب من ضلعيه القصيرين حتى يسمح بمرور عصا طويلة هي عنق الربابة التي يركّب عليها الوتر الوحيد.
طارة الربابة: هي الجلد المشدود على جانبي الربابة من الأعلى والأسفل، ويُشدّ هذا الجلد بشكل جيّد بواسطة خيوط متينة تُشبك في أطرافه وتشدّ الجلد الأعلى إلى الجلد الأسفل، وقد تستعمل دبابيس خاصة أو رَزَّات تغرز في الجلد وخشب الطارة وتؤدي نفس الغرض.
السَّبِيب: هو شعر ذيل الحصان أو الفرس الذي يصنع منه وتر الربابة ووتر القوس كذلك، وتؤخذ مجموعة من هذا الشعر وتجمع إلى بعضها وتُربط من أطرافها بخيط متين ليتكوّن منها وتر القوس أو الربابة.
الكَرَّاب: هو المشدّ الذي يكون في الطرف البعيد من عصا الربابة، ووظيفته شدّ وتر السبيب إلى الدرجة المطلوبة، والفعل كَرَب يكْرُبُ بمعنى شَدَّ يشدّ.
القوس: يصنع في الغالب من عود الرمان أو الخيزران لمرونة هذه العيدان وطراوتها، وقد يصنع من عيدان أخرى تؤدي نفس الغرض. وللقوس اسمٌ آخر هو السَّوَّاق، لمروره جيئةً وذهاباً على وتر الربابة.
الغزال: هي قطعة رفيعة من الخشب توضع تحت الطرف السفلي لوتر الربابة، فترفعه عن الطارة حتى لا يلامسها عند العزف والضغط عليه.
المخدّة: هي قطعة قماش صغيرة توضع تحت نهاية الوتر عند آخر ساق الربابة، وظيفتها كوظيفة الغزال في الجهة المقابلة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الربابة لا تُخرج صوتاً إلا بعد مسح وترها ووتر قوسها بحصى اللبان، وهو حصى يتخذ من دموع أشجار الصنوبر أو السَّرو.
ولكن ما نلاحظه انه في الآونة الأخيرة إن فن العزف على الربابة بدأ في الغياب والانغلاق نظرا للضغوط الاجتماعية وكذلك قلة مستمعيها حيث لايتعاطى العزف على الربابة سوى قلة بسبب صرف معظم الشباب أنظارهم تجاهها مع تجاهل جمعيات الثقافة والفنون لها والذي يعتبره الكثير أحد الفنون التي يجب الحفاظ عليه من الاندثار ...!!
وفي حائل تعد الربابة هي نديم أبناء البادية قديما لارتباطهم الوثيق بها ولأنها من بيئتهم حيث كان البدو يقومون بصناعتها والعزف عليها ..!
وأشار أبو ماجد احد عازفي فن الربابة المعروفين إلى أن العزف على الربابة يطرب الإنسان دوما ولها حضور رفيع عند العامة.
ومن أفضل أنواع الربابة المصنوعة من جلد الذئب ولكن لا يمكن العزف عليها إلا بعد منتصف الليل لأن صوت اللحن يخرج ضعيفاً ويكون بأحسن حالته في آخر الليل لذا لا يمكن العزف عليها إلا في وقت متأخر وحاليا جلد السمك هو المستخدم في العصر الحالي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق