[ مأساة اندلس القرن العشرين ما حل بعرب الحوارث في عهد الإنتداب البريطاني ]:
وادي الحوارث : يعرف هذا الوادي قديماً بأسم وادي اسكندرونه نزلته قبائل وبطون وأفخاذ من قبيلة طيء القحطانية ويطلق عليهم ( عرب الحوارث ) وجاءت التسمية اشتقاقاً من اسم بني حارثة الطائية فنسب الوادي اليهم في اواخر القرن الحادي عشر الهجري ويبعد الوادي حوالي 16 كيلو متراً عن طولكرم وهو ضمن قضاء يافا وهو من الأراضي الخصبة جداً في فلسطين , منذ العهد العثماني سنة 1687م وعرب الحوارث يقطنون هذه الأرض ويقومون بفلاحتها ويدفعون ضريبة الويركو عن تلك الأراضي وكان قسم من اراضي وادي الحوارث ملكاً لأسرة التيان قام برهنها زمن الحكم العثماني لأحد الرعايا الفرنسيين ويدعى هنري استراغان وهذه الأرض مستأجرة من قبل افراد من قبيلة الحوارث بعقود طويلة الأجل فقام هنري استراغان باللجوء للمحكمة وعرض بيعها بالمزاد العلني سنة 1929م , وقام عرب الحوارث بالاعتراض على قرار البيع ورفضهم مغادرة اراضيهم ومزارعهم وطعنوا في سندات الملكية التي عرضها استراغان وان التيان لا يملك الا جزء من وادي الحوارث , وبقي عربان وادي الحوارث متثبتين في الوادي رغم مضايقة اليهود والاشتباك معهم وتدخل افراد البوليس البريطاني لحمايتهم وفي سنة 1930م بعد ان اصدرت المحكمة قراراً بضرورة ترحيل عرب الحوارث بالقوة جاءت قوة كبيرة من الجيش البريطاني بإخراج النساء والأطفال من البيوت وتحميلهم بالقوة في السيارات العسكرية لأبعادهم عن الوادي وتحميل اثاث منازل احمد العبد المطيري ومصطفى حسن العطار وعلي محمد الشيخ علي من عربان الحوارث وقامت بهدم بيوتهم وبيوت الكثيرين الذين اصبحوا بلا مأوى فأشتبك عربان الحوارث مع الجند ووقعت اصابات بين الطرفين فأعتقل الشيخ اسماعيل العوفي بتهمة التحريض وعدم تنفيذ قرار المحكمة والعصيان وافرج عنه بكفالة بعد ايام وأجلت الحكومة قرار الهدم لباقي البيوت بعد أن استأنف عرب الحوارث قرار المحكمة , وبقيت القضية في المحاكم حتى سنة 1933م فعقد اجتماع حكومي في طولكرم لحل قضية وادي الحوارث قبل مجيء وكيل وزير المستعمرات البريطاني فعقد الاجتماع في سراي الحكومة في طولكرم دام نهاراً كاملاً من الصباح الى المساء وحضرة كل من المستر ستابس مدير الاراضي والمستر بيلي حاكم نابلس وخليل افندي عبد النور قائمقام قضاء طولكرم ووكلاء اليهود الخواجا خانكن والمحاميان ماني وبن شمش ووكلاء العرب المحاميان محمد بك التميمي وعثمان بك الشناق والسيد عبد الله السمارة وبعد محاورات ومجادلات وأخذ ورد ابلغت الهيئة شيوخ عرب الحوارث الذين كانوا يملأون ساحة السراي انها ترى اعطاءهم الأرض المختلف عليها من وادي الحوارث الى ان تتم الدعوى المقامة بشأنها على ان يتعهدوا بدفع خمس المحصول اذا لم يحكم لهم بملكية هذه الأرض فرفض شيوخ وادي الحوارث هذا الرأي ولم يقبلوا بتوقيع أي تعهد عن ذلك خوفاً من أن يؤثر على حقهم في الدعوى المقامة لدى المحاكم واحتجاجاً على سخافة هذا الرأي انسحب شيوخ عرب الحوارث ومحاموهم جميعاً من الاجتماع . وبعد أيام من الاجتماع في سراي الحكومة صدر هذا البلاغ الرسمي رقم 32- 32 لسنة 1933 : ان اراضي وادي الحوارث البالغة 30826 دونماً والمسجلة على اسم عائلة التيان طرحت للبيع في المزاد العلني في شهر نيسان سنة 1929م وذلك بأمر صدر من محكمة مركزية نابلس تنفيذاً لقرار حكم بدين , وقد اشترت هذه الاراضي شركة راس مال القومي اليهودي وسجلت باسمها في 27 ايار سنة 1929م وقد خطر المزارعون العرب باخلاء الارض في بحر سنة ابتداء من اذار سنة 1928م وامضى قسم منهم اتفاقيات مع شركة راس المال القومي اليهودي بأن يخلوا الأرض مقابل تعويضات نقدية , ولكن الارض لم تخل في الوقت المعين فلذا اصدر رئيس محكمة مركزية نابلس بصفته رئيساً للاجراء وفي 30 تشرين ثاني سنة 1929م امر باخراج العرب ولم يكن من الضروري في ذلك الوقت تنفيذ الأوامر بحق سكان القسم الجنوبي من وادي الحوارث وذلك لأن المحكمة خولتهم الرجوع الى مساحة قدرها 6000 دونماً لم يبت في ملكيتها حينئذ بين القبيلة وبين شركة رأس مال اليهود اما سكان القسم الشمالي فإن الحكومة باشتراك شركة راس المال القومي اليهودي تمكنت من ايجاد ارض لهم تبلغ 3000 دونماً تخص شركة راس المال القومي اليهودي على اساس الايجار للمدة الواقعة بين 20شباط 1932م الى 31 آب سنة 1933م وفي اثناء ذلك كانت الحكومة تسعى لايجاد غير هذه الاراضي لاسكان القبيلة كلها وتوفقت في الحصول على مزارع لائثة في بيسان كافية لاسكان القسم الشمالي من القبيلة للذين تنتهي مدة اجارهم في وادي الحوارث في 31 آب سنة 1932م وابعاد سكان القسم الجنوبي الذين ردت المحكمة العليا ملكيتهم لـ 3000 دونم في وادي الحوارث اتى ورود ذكرها سابقاً وفي 14 آب قدم حاكم اللواء الشمالي بالنيابة عن الحكومة الى القضاء الشروط التي بموجبها تكون الحكومة مستعدة لاسكانها , وتضمنت تخصيص من 40الى 60 دونماً من الاراضي القابلة للري , منظفة من الحجارة تحرث حرثاً عميقاً على نفقة الحكومة عند الحاجة واصطبلات ومخزن لكل عربي معه واعفاء من بدل الايجار في السنتين الاولتين اذا ما فشلت المحاصيل وتقديم الذرة وبعض الحبوب في فصل الشتاء الاول ونقل افراد القبيلة ماشيتهم وامتعتهم ومستلزماتهم مجاناً ايضاً واعطائهم منحة قدرها 2300 جنيه فلسطيني تعويضاً عن مزروعاتهم التي بقيت عند اخراجهم وقد اعطيت القبيلة مدة اسبوعين للاجابة والحكومة مستعدة للبحث في ترتيبات لاسكان القبيلة في المستقبل , وكان مضمون هذا البلاغ ان ما حل بسكان القسم الجنوبي من عربان وادي الحوارث من تشريد واجلاء وهلاك بالقوة العسكرية الغاشمة سيحل بعربان القسم الشمالي وهي سياسة للبدء بمشروع الوطن القومي لليهود وهي انذار لمصائب كبرى وهي اجلاء للعرب اجمعين عن موطن ابائهم واجدادهم وفعلاً قامت حكومة الإنتداب في البدء باجلاء عرب الحوارث من القسمين الشمالي والجنوبي وقامت بهدم معظم بيوت الوادي والأبقاء على المزروعات وكانت مأساة شبهها البعض بمأساة اندلس القرن العشرين تطهير عرقي بإمتياز لأسكان اليهود في هذا الوادي الخصيب لاقامة مستعمرات لهم , وبقي عرب الحوارث رغم ما اصابهم يقيمون على مقربة من الوادي في العراء على أمل الرجوع لمزارعهم وبيوتهم التي هدمت, وقد قررت اللجنة التنفيذية العربية برأسة موسى كاظم الحسيني في اجتماعها الأخير سنة 1933م تأليف لجنة محلية في طولكرم , لتلقي المساعدات لعرب وادي الحوارث وتوزيعها على المحتاجين منهم وقد تقرر في الوقت ذاته ان يشكل كل عضو من اعضاء اللجنة التنفيذية لجنة محلية في بلده لجمع التبرعات لعرب الوادي وارسالها الى اللجنة المحلية في طولكرم وقامت بنشر بيان ونداء لاهالي فلسطين لمد يد المساعدة لعرب وادي الحوارث بالمؤونة اللازمة نظراً للضيق الذي وقعوا فيه وتشكيل لجنة في طولكرم يكون من ضمنها عضو اللجنة التنفيذية هاشم افندي الجيوسي وسليم افندي عبد الرحمن لتلقي المساعدات وتوزيعها على المضطرين بالتنسيق مع المناضل الشيخ اسماعيل العوفي والاستمرار في نشر ظلامة عرب الحوارث , وحادثتهم لدى عصبة الامم وحكومة لندن وغيرها في الشرق والغرب ومراجعة الحكومة والسعي معها لحل قضيتهم على اساس بقائهم في ارضهم وقد تبرع بعض اعضاء اللجنة التنفيذية منهم بأسماء مدنهم ومنهم باسمائهم الخاصة بهذه المقادير : 1. شكري بك التاجي باسمه ( خمسة قناطير قمح ) 2. رشدي افندي الحاج ابراهيم بأسم حيفا
( خمسة عشر جنيهاً )3. احمد افندي الشكعة بأسم نابلس ( عشرة شوالات قمح عدا ما ارسلته نابلس سابقاً وهو عشرة شوالات قمح وتنكتان من الزيت ) 4. عوني بك عبد الهادي ( عشرة شوالات قمح ) 5. خليل افندي بسيسو وعبد العظيم افندي الغصين ( عشرة شوالات قمح ) 6. مغنم افندي مغنم ( خمسة شوالات قمح ) 7. صالح افندي الصفدي ( قنطار قمح ) 8. سعيد افندي درويش ( خمس تنكات زيت ) 9. الشيخ حمد الصانع الترباني والشيخ ابراهيم الصانع التيهي بأسم بئر السبع ( عشرون كيساً من الشعير ) خلاف ما ارسل سابقاً , وقام الوجيه يوسف افندي عاشور والسيد سعيد الخليل والدكتور نصوح النابلسي يرافقهم السيد سليم بك عبد الرحمن بزيارة وادي الحوارث وتوزيع 40 قنطاراً من الحبوب المختلفة لاعانتهم وقد استأجر فريق من شيوخ عرب الحوارث قطعة كبيرة من اراضي وادي القباني لفلاحتها وزراعتها وقد بذل بعض الوطنيين جهوداً كبيرة لتأمين استئجار هذه الاراضي وباشر عرب الحوارث بزرع الأرض وفلاحتها , وعندما تم ترحيل عربان وادي الحوارث واهتم لها الرأي العام اهتماماً شديداً وجه رئيس جمعية البدو العربية الشيخ عبد الرزاق حماد صقر ابو ستة الترباني بأسم عشيرة ابو ستة العريقة المشهورة في قضاء بئر السبع نداء الى عربان وادي الحوارث لأن ينزحوا اليهم فيحلوا في ارض لهم تبلغ مساحتها 20 الف دونم بلا مقابل ليقوموا بالسكن بها وفلاحتها لأن عربان عشيرة ابو ستة الترابين بغنى عن هذه الاراضي وهم لا يستفيدون منها شيئاً وقد شكر شيخ مشايخ عرب الحوارث اسماعيل العوفي بأسمه وبأسم عشائر عرب الحوارث مبادرة عشيرة ابو ستة الترابين ونخوتهم وحسهم القومي والوطني الذي قل نظيره لأن قسم كثير من عرب الحوارث قد وافق بالعرض الذي قدمته حكومة الإنتداب بالتعويض عليهم بثمن مزروعاتهم التي تركوها في الأرض واستولى اليهود عليها بقرار المحكمة الظالم وأنهم بصدد استأجار ارض كبيرة في أراضي وادي القباني .( اسماعيل بن عياد الترباني )
___________________________________________________
" الجزء الثاني من مأساة عرب الحوارث وسنشير للجزء الأول والمصادر في كتابنا "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق