المصحف الأثري المسروق من المسجد الأقصى سنة 1932م - هنا الترابين

عاجل

مدونة تهتم بتراث وعادات وتقاليد قبيلة الترابين

الجمعة، 10 يونيو 2016

المصحف الأثري المسروق من المسجد الأقصى سنة 1932م


ما هو المصحف المسروق من المسجد الأقصى : في 21/1/1932 امتدت يد اللصوص الى أثر فذ من آثار البراعة المقرونة بالتقوى , المتشبعة بعوامل الورع واليقين في قلب عامر بالإيمان , ذلك هو المصحف العديم المثيل الذي كتبه سلطان المغرب الأقصى من بني مرين , بخط يده من أوله الى آخره على الرقوق النفيسة الغالية , ثم اشرف بنفسه على زخرفته ونقشه وتدهينه وتزميكه وتجليده وتغليفه بالحرير ووضعه في صوان من نفيس الخشب المزخرف بالفضة المزكرش بالذهب أما هذا السلطان الكريم , فهو المنصور بالله أبو الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق , المعروف بالتاريخ باسم " أبي الحسن " المشهور بين قومه وفي بلاده بالسلطان " الأكحل " تميزاً له عن أخيه المعروف بالسلطان " الأبيض " لأن والده هذا الأخير كانت من سبايا الاسبانيين , فجاء ابنها ابيض اللون وأما صاحب المصحف , فكانت امه من سادات الأحباش , فجاء أسمر اللون ولا نرى بأساً من الإشارة في هذا المقام الى ما تواضع عليه اخواننا المغاربة مما لا ترضاه العربية الصحيحة فيوسمون الاسود والأسمر والأكحل وما حيلتنا في ذلك ونحن امام اصطلاح شائع , فمن باب الفائدة تعريف القراء بسنة أهل الأندلس وأبناء المغرب في هذا السياق , فقد جرت عادتهم بإهداء المصاحف الى الحرمين الشريفين وامتاز ملوك المغرب الأقصى بالذهاب في هذا المدى الى الامد الأقصى , ولا سيما بني مرين الاكرمين فقد ارسل السلطان الناصر لدين الله يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني ارسل الى الحرم المكي مصحفاً ضخماً اعتنى به , وبالغ في اتقان كتابته , وجعل له غشاء , مكللآ بنفيس الدر وشريف الياقوت وكريم الاحجار وكاتب في ذلك صديقه سلطان مصر الملك الناصر محمد بن قلاوون فأجاب رغبته على أحسن ما يرام وأن هذه العادة قد استمرت الى عهد غير بعيد في بلاد المغرب الأقصى فقد ذكر التاريح ان المولى عبد الله ابن اسماعيل امير المؤمنين بالمغرب الأقصى بعث في سنة 1155هـ (1742م) بهدية نفيسة الى الحرم النبوي فيها ثلاثة وعشرون مصحفاً ( بين كبير وصغير ) محلاة بالذهب , مرصعة بالدر والياقوت ومن جملتها المصحف المنسوب الى عقبة ابن نافع ( فاتح المغرب ) وبعث معه الفين وسبعمائة عصاة (2700) من الياقوت المختلفة الألوان لتزيين الحجرة النبوية الطاهرة المطهرة أما الآن فقد غلب التفرنج ونسينا الله فنسينا الله وعود الى بدء فقد قرأنا كثيراً عن هذا المصحف المسروق من المسجد الأقصى وعن اخويه ( الذين كتبهما هذا السلطان بيده ايضاً على تلك الوتيرة وعلى ذياك الطراز ) ونعلم ان واحداً في المسجد الأقصى ( ببيت المقدس ) والثاني في الكعبة المعظمة ( بمكة المكرمة ) والثالث في الروضة المطهرة ( بالمدينة المنورة ) ففي سنة 1340هـ ( 1922م ) شاهده في المسجد الأقصى المؤرخ الإسلامي الشيخ أحمد زكي باشا فقال : توالت رحلاتي الى تلك الربوع المقدسة لخدمتها فكنت لا اتوانى عن الحج الى ذلك الأثر النفيس وكنت لا اشبع من رؤية هذا المصحف البديع وطالما تصفحت ربعمائه الثلاثين وكررت قراءة ما عليه من الكتابات الاثرية التاريخية وما ازال الى هذه الساعة ارى بعين البصيرة ذلك الغلاف المفضض المذهب واتخيل بباصرة الوجدان ذلك الجلد المرقق المزوق , وأنظر بنور الله الى ذلك الكلام القديم المقدس , مرقوماً بخط جميل تناهت اليه الجودة والاتقان على الطريقة المغربية الاندلسية ( وهي كوفية هندسية ) لهذه المصاحف الثلاثة شأن بمصر وارتباط بسلطان مصر فلا غرو أن تكون في ذمتي كلمة يجب ان اذيعها بين الناس عن هذا الاثر الذي كان لقومي حظ في حياطته وصيانته , ونصيب في تمجيده وتخليده حتى وصل سالماً الى ايدي العثمانيين , وحتى جاء الانتداب البريطاني في هذا الزمن الأغبر الأخير فلنرجع الى عصر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون , صاحب العرش في الامبراطورية المصرية , التي كانت تضم الى مصر الحجاز والشام وجزء من الاناضول مع السيطرة السياسية الفعالة على برقة وطرابلس الغرب وعلى السودان واليمن وكان سلطان مصر يفخر بأنه خادم الحرمين الشريفين ( في مكة والمدينة ) والحرمين المعظمين ( في القدس والخليل ) وكان هو المهيمن على امور الحج الى بيت الله وزيارة الروضة المطهرة وما يتبع ذلك من مناسك ونوافل , على ان الثورة التي حدثت بلاد المغرب في عهده , كانت قد حالت دون مجيء الحجيج المغربي الى اطهر بقعة في الارض , فلما انحسمت الفتنة وعاد السلم وأستقر الامر للسلطان ابي الحسن الأكحل كان اول ما تهمم به هذا الملك الجليل انه كاتب صاحب التاج والصولجان في ارض مصر , وسعى لتوكيد اواصر الوداد بين العرشين , فكان له ما اراد بل فوق ما تمنى واشتهى , وحينئذ صحت عزيمة ابي الحسن الأكحل على التقرب الى الله وبأرسال هدية الى بيت الله فلم يجد افضل من كتابة القرآن بيمناه وذلك انه اختار لهذه القرية طريفة سلطانية تناسب مركزه وتليق بقدر المهدى اليه , فكتب بيده المصحف الكريم لتخليده في الحرم الشريف بمكة المكرمة فلما انتهى من نساختها على اكمل وجه احضر مشايخ القراء واكابر الحفاظ فتولوا ضبطها وتهذيبها , ثم جمع كل من في عاصمته وفي سائر ممالكه من مهرة المهندسين والنجارين والصواغين والرسامين والنقاشين والزواقين والحلائين والنظامين والمرصمين , فقاموا على تنميقها وتذهيبها وزخرفتها وترميكها , ثم ابتاعوا وعاء فائق الصنعة من الابنوس والصندل وسن الفيل , وجعلوا له غشاء من صفائح الذهب , وصفوه بالجواهر والياقوت وانتهى الأمر الى المجلدين ( وما امهرهم الى الآن في المغرب الأقصى ) فتعاونوا على عمل صوان من الجلد بصناعة محكمة من نقوش بارزة واخرى غارزة مع ترقيمها باسلاك على طرائق هندسية باشكال مختلفة , هي في الواقع مؤتلفة , وجاء بعدهم النساجون فحاكوا لهذه الربعات الثلاثين غلائف الحرير واغطية الديباج واغشية الكتان وانتهى العمل في سنة 738هـ (1337م) فأرسل السلطان ابي الحسن الأكحل هذا المصحف الشريف مع قافلة الحجاج المغاربة , فوصلت الى القاهرة في 22 رمضان من السنة المذكورة فكانت في القافلة السيدة الحرة السلطانة مريم , أم أخت السلطان الأكحل , وهي من حظايا والده واوفد معها خواص مجلسه , وكبار أهل دولته , مثل الأمير عريف بن يحيى زعيم بني زغبة من عرب بني هلال ( اولئك هم قبيلة الزغبي / دياب بن غانم ) وارسل ايضاً خالص دولته المقدم في بلاطه على اساطين حكومته عطية بن يحيى كبير اخواله من عرب ( الخلط ) وارسل معهم هدية حافلة للجالس على عرش مصر , تحدث عنها التاريخ بالعجب العجاب ( ولا محل لها هنا فراجعها في تاريخ ابن خلدون وفي السلوك للمقريزي ..الخ ) فقدروا قيمتها في ذلك الوقت بما يزيد على مائة الف دينار من الذهب الابريز ولقد ارسل السلطان ابو الحسن الاكحل ايضاً الى سلطان مصر 16500 دينار ذهباً ليشتري به ضياعاً يكون ايرادها موقوفاً على قراءة هذا المصحف بمكة المكرمة فاشترى به الضياع الدارة والمسقفات ذات الغلة الوفيرة وارصد الربع على هذه الخدمة المقبولة عند الله وعند الناس واكرم سلطان مصر مثوى السيدة الحرة اكراماً يليق بمقامها ويناسب مكنته , فقد أمر حاكم الجيزة ( جيزة الفسطاط ) بأن يكون في خدمتها وأن يرحل بها في مركب لها بمفردها , قدام المحمل المصري , أما الخدم والحشم والاتباع من السقايين وغيرهم وأما الاقوات على اختلاف انواعها وتباين اصنافها , وأما اسباب الراحة والرفاهية فحدث عن البحر ولا حرج ... ثم ان السلطان الكحل رأى بعد ذلك أن يتقرب بمثل ذلك العمل الى الحرم النبوي والى الحرم المقدسي وكان وصول النسخة الاخيرة الى المسجد الاقصى في سنة 740هـ ( 1339م ) ولقد خصص لكل واحدة من هاتين النسختين مالاً كبيراً بعثه الى سلطان مصر فأشترى به الاملاك الجليلة ووقفها على كل منها , واصدر امره الكريم بمسامحة هذين الوقفين ايضاً من الرسوم الديوانية والقضائية كما يستدل عليه من الكتاب الذي انشأه اديب مصر الأكبر في عهده , وهو جمال الدين ابن بنانة المصري جاء في التوقيع على لسان ملك مصر اشارة الى ما لملك المغرب من سطوات وفتوحات , وقد ختمه بكلمات بليغات عن هذه الختمات فمن ذلك وصفه لابي الحسن الاكحل ( انه مد يمينه بالسيف والقلم فكتب في اصحابها , وسطر الختمات الشريفة فأيد الله حزبه بما سطر من احزابها , وأتصلت ملائكة النصر بلوائه تغدو وتروح وكثرت فتوحه لاملياء الغرب فقالت اوقاف الشرق لا بد للفقراء من فتوح ثم وصلت ختمات شريفة كتبها بقلمه المجيد المجدي ,وخط سطورها بالعربي وطالما خط في صفوف الاعداء بالهندي ورتب عليها اوقافاً تجري اقلام الحساب في اطلاقها وطلقها , وتحدث بنعم الاملاك التي سرت من مغرب الارض الى مشرقها والله تعالى يمنع من وقف هذه الختمات بما سطر في اكرم الصحائف وينفع الجالس من ولاة الامور في تقريرها ويتقبل من الواقف ) فالمصحف الذي اختصت به الروضة المطهرة بالمدينة المنورة نقل الى القسطنطينية في ايام محمد على باشا الاكبر وقد ذكر ذلك الجبرتي (ج4 ص299) فهذا المصحف وهذا الأثر الاسلامي النفيس لا يمكن ان يضيع ولا يمكن ان يختفي بل لا بد من ظهوره بعد ذلك الزمان فربما هو الآن في احد المتاحف الخاصة او العامة في اوروبا او امريكا فهذا المصحف الأثري هو ملك للعلم وللعالم كله , فالاهتمام بالبحث عليه , وبارجاعه الى مكانه من اول الواجبات على ارباب الحكم في عالمنا العربي والاسلامي , فهل تعجز بريطانيا أم المصائب في عالمنا العربي عن فك لغز فقدان هذا الأثر النفيس فهذه المهمة مربوطة في عنقها امام التاريخ فهي المسؤولة عن مخلفاتنا ومقدساتنا في المسجد الاقصى وفيما حواليه وفيما اليه , لانها هي التي عهدت الى نفسها عن نفسها بحراسة البلاد المقدسة واستصدرت على ذلك ما شاءت في صك الانتداب اليس من وظيفتها اعادة ما سرق فقد غضت الطرف عن تلك الجريمة في ذلك العهد واين رجال اسكتلنديارد في ذلك الوقت لحل لغز سرقة هذه التحفة النفيسة !! وقد سرت اشاعة في ذلك الوقت ان موظف كبير من الإنجليز قد اشتراه من احد اليهود .

____________________________________________________
المراجع : من الأوراق الغير منشورة للمؤرخ الاسلامي  والعالم الأثري أحمد زكي باشا
             الجبرتي (ج4ص299)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق