الحالة الإقتصادية لقضاء بئر السبع رغم تردي المواصلات في عهد الإنتداب البريطاني من 1917-1930م الجزء الأول - هنا الترابين

عاجل

مدونة تهتم بتراث وعادات وتقاليد قبيلة الترابين

الاثنين، 2 مايو 2016

الحالة الإقتصادية لقضاء بئر السبع رغم تردي المواصلات في عهد الإنتداب البريطاني من 1917-1930م الجزء الأول


جعلت هذه البلدة في سنة 1901م في العهد العثماني قصبة للبدو من ابناء القبائل العربية  الذين ينوف عددهم في سنة 1930م عن الخمسة وثمانون  الف نسمة حفظاً للأمن بينهم وتسهيلاً لمواصلاتهم وجمع الضرائب وليس سكانها الا التاجر والعامل والمأمور وكل ارزاقهم محصورة في اقبال البدو على معاملتهم , ولقد ظلت هذه القصبة في تقدم
ورقي منذ تأسيسها فأهتمت الدولة العثمانية بتعبيد الطرقات ومد السكك الحديدية في سائرالجهات حتى تتحسن المواصلات ومتى تحسنت تسير الأحوال الأقتصادية , وهنا ظهر تقدمها بصورة  عظيمة محسوسىة بسبب حسن المواصلات وارتباطها بالمدن الاخرى بوجود السكك الحديدية فبدأ السكان يزدادون وطالبوا الرزق يفدونها من جميع الجهات والحركة سائرة على قدم وساق لكثرة حاصلاتها وشهرة موسمها وجماعات البدو الداخلة اليها حتى اصبح من المتعذر وجود حانوت خال فيها يستأجره من يرغب في الارتزاق فيها من التجار المستجدين فكان هؤلاء ينتظرون حتى يتم انشاء الحوانيت الجديدة فيدفعون اجارها سلفاً عن سنتين وثلاث , وظل هذا التقدم الاقتصادي في نمو مستمر والحوانيت تفتح ابوابها حتى العاشرة مساء من كل يوم لكثرة الأشغال الى سنة 1927م حينما شرعت الحكومة في رفع خط السكه الحديدية فبدأ التقهقر وبدأ السكان ينزحون من القصبة بسبب عدم ورود البدو وحاصلاتهم اليها لغلاء اسعار الحاجيات وهبوط اسعار الحبوب بسبب قلة المواصلات واصبحت وجهتهم غزة التي فاقت بئر السبع في ارتفاع اسعار الحبوب بسبب حسن المواصلات حتى اصبحت هذه البلدة ( بئر السبع ) المنكودة الحظ في حالة اقتصادية عسرة واصبح ثلثا حوانيتها مقفل بدون ايجار والباقي يغلق ابوابه من الساعة الخامسة لكساد الحالة وكان هدف الانجليز من ذلك كسر شوكة البدو الوطنية وقطع الاتصال بينهم وبين المدن الاخرى حتى يتم تفريغ الأرض من سكانها ليسهل على الصهاينة عملية الاستيطان وشراء الاراضي فنقل كثير من اهل المدن الذين قطنوا بئر السبع في السابق تجارتهم الى غزة ولم يتبقى الا القليل من هؤلاء التجار في القصبة وهذا ما تريدة حكومة الانتداب واعادة القصبة الى ما قبل سنة 1901م قاعاً بلقعاً لا يبقى فيها غير مأمور الحكومة للمحافظة على الأمن بين القبائل وجباية الضرائب وبعض التجار والعمال العاطلين الذين لا يمكنهم الحصول على ارزاقهم في هذه المدينة ومن ثم هجرتها لصعوبة الحياة فيها وقد تنبه شيوخ القبائل لتلك السياسات الخادعة الماكرة لتفريغ الارض من ساكنيها لصالح مخططاتهم الجهنمية لتوطين المهاجرين الجدد من الصهاينة فقام السكان بالهيجان لسوء الاوضاع الاقتصادية والتحذير من مغبة الاستمرار في التهميش الممنهج فرفعوا المضابط والكتب لحاكم اللواء الجنوبي وبرقيات الاحتجاج للمندوب السامي بينوا فيها جميع الاحوال الاقتصادية وما يدفعه هذا القضاء من الضرائب التي تبلغ ربع واردات حكومة فلسطين وطلبوا فيها مد خط حديدي أو ( طرزينة ) لتحسين الحالة بهذا القضاء وأن تنظر الحكومة نظرة عطف لتلبية طلبهم المشروع ولم تستجب الحكومة لتلك الاحتجاجات والمطالبات بتحسين المواصلات فعمد التجار واصحاب الاملاك من ابناء القبائل بإرسال الحاصلات الزراعية لمدينة غزة بالسيارات الكبيرة فتدفع اجرة القنطار 20 غرشاً , وعن الطن 700 مل وبما ان اكثر الصادر من بئر السبع يرسل الى البحر راساً فقد أصبح من المحتم ايجاد طرق منظمة بين غزة والبحر لسير السيارات عليها , ولكن الحكومة بغزة منعت سير السيارات الكبيرة مدعية أن الطريق غير صالحه لسير السيارات عليها وانه ليس في الامكان تصليحها في الوقت الحاضر وبما انه ينشأ عن ذلك اضرار عظيمة لتجار بئر السبع لم ييأس التجار واصحاب المحاصيل من تلك السياسات فقام شيوخ القبائل بالايعاز لافراد قبائلهم وبالاتفاق مع التجار بنقل الحاصلات الزراعية من السيارات الى ظهور الجمال بأجرة اضافية . وقد رفع تجار بئر السبع مضبطة موقعة منهم ومن شيوخ القضاء بصورة كتاب مفتوح لحاكم اللواء الجنوبي بيافا وقدموا منها نسخة لقائمقام بئر السبع  هذا نصها : المعروض لسعادتكم ان بلادنا بلاد زراعية بحتة وان محصولات هذه السنة وفي كل سنة من الشعير تقدر بأربعين الف طن وبسبب قلة المواصلات تنتج اضرار عظيمة للمحصولات من جهة وللأسعار من جهة اخرى فالفرق بين اسعارنا واسعار غزة 50 بالمئة وسبب هذا هو قلة المواصلات فالسكك الحديدية كانت ايام المواسم تشحن من 1500-2000 عربة ولعدم وجود السكة في الوقت الحاضر حصل لهذه البلدة اضرار جمة فالشعير بكثرة واما الوارد اليومي علينا فهو قليل جداً بالنسبة للأحوال السابقة الذكر لأن البدوي يتحمل مشقة المسافة البعيدة فيذهب بمحصولاته الى غزة وبيعها هناك بسعر مضاعف ومن هنا شلت الحركة التجارية وتوقف دولابها واصبحنا لا نجد من يشحن شعيرنا واذا شحناه فالأسعار لا توازي اتعابنا ومن المعلوم ان هذا القضاء ما تشكل الا ليستفيد منه الأهالي ويربحوا هم والحكومه ويعيشوا برغد وهناء وللحكومة اموال طائلة وضرائب تجنيها من الاهالي بكل وسيلة ويدفعها هؤلاء صاغرين اذا شاءت الحكومة ان تمد السكة الحديدية فلا شيء يمنعها عن ذلك لأن الفائدة تعود عليها وعلى القضاء وعلى الأهالي في حين اننا نراها تعطف على المستعمرات الصهيونية وتمدها بخطوط السكك الحديدية وتعمل بكل قواها لتسهيل مواصلاتها بعكس حالها مع هذا القضاء المنكود الحظ الذي لا يرى منها ادنى مساعدة فالحكومة تجني منه الاموال الطائلة من سنة 1918م حتى الآن ولم يرى منها اي عمل يؤدي الى عمرانه وتقدمه بل رفعت السكة الحديدية منه وحرمته من المواصلات , إن معدل ما ينتجه قضاء بئر السبع من الحاصلات الشتوية في كل سنة يقدر من الشعير على اقل تقدير باربعين الف طن ومن الحنطة خمسة آلاف طن فالسعر في بئر السبع الان لطن الشعير جنيهان و 450 ملاً وللحنطة خمسة جنيهات و 250 ملاً مع ان سعر طن الشعر بغزة يساوي 3 جنيه و 550 ملاً والحنطة 6 جنيه والفرق هو 800 مل بالطن فهذا ما ندفعه لقاء اجرة النقل الباهضه ما بين بئر السبع وغزة ولو احصينا هذه الاجرة لكافة محصولات بئر السبع السنوية لوجدناها مبلغاً ضخماً قد يمهد السبيل للحكومة للقيام بعمل يفيدها ويفيد الأهلين معاً , قلنا ان المعدل هو اربعون الف طن وقد يكون اكثر في مواسم الخصاب فلو كان اجراء هذه النقليات على خط حديدي فلا تبلغ هذه الاجرة ربعه ولكان توفر لدينا 30 الف جنيه سنوياً هذا عدا عن التسهيلات وسرعة المواصلات وترويج البضائع في الاسواق التي كانت وما تزل تابعة للمضاربة العمومية العالمية هذا , فضلاً عما يرد لبئر السبع لتأمين احتياجات ما ينوف عن 85 الف نسمة تقريباً من احتياجات المعيشة المتنوعة ثم نود ان نلفت نظر سعادتكم الى شعورنا بالضرر الفادح الذي تورثه لنا السيارات وعملها في البلاد والتي كادت ان تقضي على حياتنا الاقتصادية ومع ذلك فانها لن تقوم بحال من الاحوال بتأمين المواصلات المنتظمة بيننا وبين البلدان الاخرى ان الطريق التي تسير عليها ثلث السيارات تقفل وتعطل في فصل الشتاء فتنقطع المواصلات اياماً وليالي ونجد انفسنا كالمقيمين في جزيرة منعزلة ان بئر السبع هذا القضاء الصغير باسمه بوارداته ورسومه التي يدفعها سنوياً للحكومة , لم ير من الحكومة حتى الان اي رحمة او شفقة لتحسين حالته الاقتصادية والعمرانية افلا يوجد عطف لدى الحكومه تعطف به على هذا القطر المسكين اسوة بأحقر مستعمرة من المستعمرات اليهودية ! إن خطاً يمتد عن طريق غزة يؤمن مواصلات الصحراء العظيمة ولا بد أن ينتهي في المستقبل الى شاطيء العقبة فهذا الخط جدير بأن تعتني حكومة فلسطين به وتوجه اليه نظرها من الآن لأن البلاد وان كانت الان في سبات عميق فان المستقبل سيرينا ما يوجب الندم لتقاعدنا عن العمل الجدي في وقته وهو العمل المجيد من الوجهة الاقتصادية والعمرانية , كما لا يخفى وعلى فرض ان الحكومة بعملها هذا تخسر في بادي الأمر بعض الشيء من النفقات الا انها تعوض عليها في المستقبل اضعاف الاضعاف لذلك كله نكرر طلباتنا بألحاح في إيجاد سكة حديدية من غزة لبئر السبع رأساً وتمتد حتى ساحل بحر غزة ايضاً , وإذا كان لا يمكن اجابة طلبنا الأول فلا بأس في اجابة الثاني على ان القسم الاعظم من طريق غزة - بئر السبع هو معمر منذ زمن الحكومة العثمانية وكان يسير عليه القطار بكل انتظام ولم يخرب منه شيء حتى الآن فالتعمير يكون على القسم الباقي فقط فلا نظن ان هذا العمل يحمل الحكومة نفقات باهظة كما تتصور وبالختام تفضلوا بقبول فائق الاحترام .
( مجموعة تواقيع  للتجار وشيوخ القبائل نحتفظ بها في ارشيفنا : اسماعيل بن عياد)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق